في الحق - ولأول مرة - تحن إلى شخص ما، ففي كسلها هذا مر بها رجال كثر من شتى قبائل الدغل، بعضهم هرب عندما رآها ظانا أنها فتاة «كا»، أو جنة، أو ما أوحت به له مخيلته، البعض تبادل معها الحديث، البعض فاعلها، ومضى جميعهم دون أن تبخع نفسها على آثارهم، ولكن في شأن أنزيرا فالأمر اختلف، وضعت المعزة البرية على كتفها وذهبت في طلبه، تشمم الهواء كالكلب المتوحش.
بيت أنزيرا كبيوت أهل القرية جميعا عبارة عن معسكر صغير تحيط به أشجار النجيل، وعليها تنمو المتسلقات، في الداخل ثلاث قطيات: قطية قرب المدخل وهي لأنزيرا، قطية زوجته تبعد قليلا للداخل، ثم قطية الأطفال كبار السن، وكالعادة لم تسأله واوايامو لماذا عاد من دون صيد ودماء العنزة جف على كتفه؛ لأن السؤال عن الرزق يجر سوء الطالع، جلبت له الطعام والماء، ثم أرسلت إليه البنت الصغيرة، التي كان يحبها جدا ويناديها «ني» باسم أمه، أرسلتها لكي تروح عنه ولكنه - وليس كعادته - طلب منها أن تعود لأمها لأنه يريد أن يبقى وحده لبعض الوقت.
وعندما دخلت إليه في الظلام ظنها زوجه واوايامو، فطلب منها أن تعود لقطيتها لأنه سينام وحده هذه الليلة ولكنها لم تبرح مكانها، وليس هذا من طبيعة واوايامو؛ إنها لا تعصيه أبدا، وضعت تيري الصيد على الأرض ورقدت قربه، عرفها فلقد كان لجسدها رائحة الذئب. قالت له: لقد نسيت عنزتك، فخفت عليها أن تفسد إذا تركتها للصباح، أو تأكلها الضباع والكلاب البرية، لذا، أحضرتها لك.
أيقظ واوايامو، طلب منها أن توقظ فلوباندو وودي وأن يقوموا بسلخ المعزة ووضع العشاء.
معي امرأة، أريد أن أتخذها زوجة لي.
تيري.
سعدنا جدا أن والدنا اتخذ امرأة أخرى إلى جانب أمنا واوايامو، تقوي مكانتنا الاجتماعية، ولا أحد سوف يعير أبى بأن له امرأة واحدة. من ناحية أخرى فهي ستقوم بحمل كثير من الأعباء عن أمي؛ إدارة شئون المنزل، الطهو، جلب الكراواوا، طحن الذرة، حلب المعزات البرية المستأنسة، ويمكن أن يجيء منها الكثير والكثير إذا كانت امرأة فاضلة، بالإضافة إلى أسرة جديدة ستضاف إلى أسرتنا، امرأة أخرى شيء رائع، ما كنا نحلم به، نعم، أمي ستتنازل لهما عن نصف مبيت الشهر، وهذا ليس بالشيء المثير للقلق، فأمي امرأة كبيرة العمر، كما لو أننا قارنا حالها ببقية نساء القرية فلا تزال لها ميزة عليهن، فبعض الرجال في القرية يمتلك قرابة العشرين امرأة. ولكن لسوء طالع أمي، وسوء طالعنا جميعا أن زوجة أبي الجديدة ليس بالمستطاع بأن يرجى من ورائها خير، بل أضحت عبئا أضيف إلى كاهل أمي؛ كانت امرأة كسولا تنام اليوم بطوله، وإذا ذهبت لجلب الماء من البئر جلست تحت شجرة جوز أو حبحب، وأخذت تغني وتلاعب القرود، التي لا تخاف منها وكأنها قردة منهم، ومن الغريب في الأمر أن الطيور ترك على كتفيها ورأسها وهي مطمئنة، وإذا أحضرت الماء للمنزل استحمت به، وإذا عجزت عن إحضاره استحمت بالماء الذي نحضره نحن أو تحضره أمي، وأصبح الشجار اليومي بين تيري وأمي ظاهره الماء وباطنه استحواذ تيري التام على أبي، وقد تأكد لنا جميعا وللجيران أن تيري استخدمت السحر في ذلك، وما يغضب تيري - ولو أنها إطلاقا لا تظهر غضبها أو تبدو منزعجة - أن تقول لها: أندل. وأندل قبيلة سكانها يعيشون الآن في مائة عام مضت، وهنا في «لالا» يضرب بهم المثل في التخلف، وتعتبر إهانة بالغة إذ يقال لأحدهم: أندل. ولكن تيري تغضب في برود ودون مبالاة، متفهمة محاولة أمي لإغاظتها، وذلك يزيد توتر أمي ويشعل فيها عيدان الانتقام.
وذات مرة، وبينما كان أبي في رحلة صيد، أرادت تيري الاستحمام، واستخدمت لهذا الغرض ماء جلبته أمي، وبينما هي تستحم خلف قطية أبي تحت ستار من المتسلقات الخضراء على نبات النجيل الكثيف، دخلت عليها أمي وأخذت جرة الماء، فضحكت تيري بصورة أغاظت أمي، فأخذت أمي ملء كفيها ترابا وأفرغتهما على رأس تيري، أخذت تيري تسحي التراب عن رأسها ووجهها وهي تضحك بسخرية وخبث، ثم تغني أغنية:
العجوز الشمطاء
وآو وآو.
অজানা পৃষ্ঠা