كانت الريح تدور في المكان وتصر صريرا مرعبا، تعبث برماد الأشياء، تعمي أعين الموتى الفارغة، أعين الدبابات المحترقة، أعينها السرية جدا، لا أثر للحياة في الأرض؛ لا إنسان، لا حيوان، لكنك يا حبيبي إذا تطلعت إلى السماء بعينيك الحلوتين لرأيت من وقت لآخر أسرابا من النسور الصلعاء تدور في حلقات، فاردة أجنحتها تحملها تيارات الهواء حيثما شاءت. هنالك أيضا أسراب الطيور المهاجرة تعبر المكان متجهة نحو الجنوب أو الشرق، نحو الغرب، إنها لا تهبط إطلاقا. أما في الليل، الليل يا حبيبتي زهرة تعشقينها، دائما الليل يا حبيبتي قنديل، الليل نعاس لذيذ وقبلة، أما في الليل بعد أن يختفي آخر شعاع خصه الله بالشمس، وهو خير الخاصين، عندها يا حبيبتي ...
عندها يحيا الموتى.
يتمطون.
تطقطق عظامهم الجافة العطشى موقظة البنادق والآلات الحربية المعطوبة، فيرعون الألغام، يبنون الحواجز الترابية والأسلاك الشائكة، يطلقون قذائف الهاون والراجمات في الهواء فيحيلون الليل الساكن الساكت الشجي، ليلك الجميل، ليل عينيك السنجابيتين، فيحيلون ليلك جمرة كبيرة مستعرة، يقتلون بعضهم البعض، ينشدون ممجدين الظلام والكلاب الضالة، لاعنين مثقاب الداعرات بمنهاتن ومومباي ومدينة ود مدني وتسني، حتى إذا بزغ الفجر بلياليه العشر عادوا إلى موتهم، ماتوا فيه موتا أشد سكوتا وسكونا من موتهم الأول.
فوق الأرض بقليل، دون السماء إلى أعلى الهضبة توجد البحيرة، حليقة من العشب والشجيرات التي تحيط بها في زمان ما قبل.
ماء البحيرة غاية الصفاء، يمكن رؤية قاعها بكل سهولة ويسر، لكن الموت، الموت، الموت لمن شرب من مائها؛ لأن شيطانا كيميائيا ينام فيها منتشرا بين مسام مائها.
المطر يهطل بين الحين والحين ليسقي الأرض التي لا ترتوي، يغسل الأشجار، الآليات، والجثث من الرماد والغبرة العالقة بها، يداعب الموتى مضيئا إياهم بالبرق، هي لعبة يسميها الأطفال فيما قبل: غمضت لبدت ...
تنبت نباتات غريبة لا عهد للوادي بها، تجري الخويرات بماء أسود ثقيل لتصب في النهر البعيد في البلاد المجاورة، تخنق الأسماك، يصاب المواطنون بالإسهال الذي يعالج بالموت.
يا حبيبتي، الموت البارد حيث لا دم فيه هو ثمن السلام الدائم.
مقتل الحارس
অজানা পৃষ্ঠা