যে মানুষটি নড়ানো যায় না

হিতাইরাস d. 1450 AH
22

যে মানুষটি নড়ানো যায় না

الرجل الذي لا يمكن تحريكه

জনগুলি

وكان يشير بيده إلى أحد النجوم القريبة، كان يخبرني أيضا أننا سنشيخ بعد دهر ونلتحق بها في الجنة أين والدتي والمنزل، وقد طلب مني أن أنسى منازل الدنيا كلها وأن أتنقل رفقته، أن نشيخ معا في رحلاته، أن نحمل الأشياء إلى كل الأراضي، إلى كل المنازل التي لن نعيش بها، أن نساعد الآخرين على الحفاظ على تلك المنازل، أن نحمل الأدوية إليها لحماية ربات المنازل، لكيلا يرفعن رفقة المنازل إلى السماء، وبلغت أشدي وأنا أتنقل إلى جانبه ومضى على ذلك زمن، إلى أن شاءت الأقدار أن يتوفى والدي بإحدى الرحلات، بعد أن سرنا 340 ميلا احتضر بين يدي وهو يقول: إنها أفضل رحلة من بين كل الرحلات.

كنت أبكي عند وجهه أقبل جبينه وأنا أقول: أنت تكذب، كيف تكون أفضل رحلة وأنت لا تستطيع أن تتمها. - بني أنا لا أتحدث عن هذه الرحلة.

أدار وجهي بيده الضعيفة إلى السماء، وجعلني أنظر إلى النجم القريب وقال: أتحدث عن رحلتي إلى هناك، إنها أفضل رحلة. - توقف، أرجوك، أبي. - ششش، كن قويا بني، سأنتظرك ووالدتك بالمنزل.

ضحك والموت يأخذ منه الأنفاس الأخيرة وقبل أن تنطفئ شمعة روحه قال: سنجهز لك غرفتك، ثم سنراقبك تكبر هناك، بيننا.

لم أنس كلماته يوما، وقد دفنته دفنا يليق به، وجلت بعدها البلاد بحثا عن والد آخر، فكل ما تعلمته في هذه الحياة كان من والد لي، وقد رافقت أحد الفرنسيين إلى إحدى القرى التي يعرفها، كان يعرف والدي معرفة جيدة، وقد ارتحل معنا في كثير من المرات، إلى أن توفي والدي في إحدى تلك المرات، كان قد رأى أن شابا مثلي سيختفي وسط فساد العالم الذي أوجده البشر، لذا توجب عليه - حسب ما رآه من المنطق - أن ينقذني، كانت له فلسفة مخالفة عما عرفته يوما من والدي، بيد أنه اشترك ووالدي في شيء واحد، كان كلاهما يحسن معاملتي، وكأنني أهم بكثير من كوني مجرد حمال أو رحالة، كنت أشبه بنبي يقوم الآخرون بحمايته. واختار الفرنسي أن أخذ نبيه إلى القرية ليساعده في تسيير أموره الخاصة هو أفضل طريق لحمايته، وفي تلك القرية، وهناك فقط، هناك فقط تغير كل شيء، وبذلت من جهدي ضعف ما أقدر، كان يجب أن أظهر للرجل الفرنسي أنه لم يخطئ حينما آمن بنجاتي من هذا العالم، وفي كل مرة كنت أسترجع ما قدمه لي والدي من دروس وعبر، علمني أن أعيش بين الفرنسيين وبين العرب، كان قد جهزني لما هو قادم، كان يعلم أنه سيرفع إلى منزلنا في السماء في يوم ما، وما أراد أن يصعد إليه شارد العقل، كان يجب أن يضمن ضمانا تاما أنني سأكون من بعده الرجل الذي لطالما تخيله، وفعلت ذلك بتذكر ما علمني إياه، تذكرت كل ما علمه لي والدي، وأهم ما علمني والدي هو الحب، أحبني لدرجة جعلتني أحب الحياة بكل أشكالها، ولما كان لاسمي من صفة الرجولة نصيب، زوجني أحد الرجال بابنة له بوساطة من السيد الفرنسي، وعشت إلى جانبها ما تقدر لنا أن نعيشه، وقد أحببتها مثلما علمني والدي، مثلما أحبني، فذلك هو شكل الحب الوحيد الذي عرفته يوما، فرعيتها مثلما رعاني والدي، كنت والدا لها، وزوجا أيضا، وقد عاهدتها أن أعيش الحياة من أجلها، وأنه لا شيء في الحياة يبقيني حيا، غيرها وحدها، فمنزلي ووالداي في السماء، وأنني أنشد الحياة إلى جانبهما، وأن الشيء الوحيد الذي يدفعني إلى التشبث بهذه الحياة إلى جانبها، هو القلب الذي هيأه والدي، قلب ليحبها وحدها، مثلما كان لوالدي قلب هيأه ليحب والدتي وحدها، وقد أخبرتها أن والدي أقام قلبا ليحب فتاة واحدة، وأن هذه الفتاة هي زوجتي، قلب لا يصلح إلا لها، وكأن والدي قد التقى بها في حياة أخرى عاشها الجميع، وخاطني بقلب يليق بها، بقلب لا يتسع إلا لها، وقد آمنت في تلك القرية بشيء واحد، آمنت بها، كنت قد كفرت بكل شيء، يستيقظ الجميع كل يوم ليعيشوا ما قدر لهم من الحياة، وأستيقظ كل يوم فقط لرؤيتها، أخبرتها أنه سيملك الرب قدري في هذه الأيام وسيملك روحي بعد هذه الأيام، ستأخذ الأرض نصيبها مني لأنها تملك جسدي، سيتسارع الزمن باندثاري بعد أن تأخذني الأرض، سيملك الزمن وقتي، لكنه لا أحد، لا شيء، ولا حتى أنا نفسي كنت لأملك الوجود الذي عرفته يوما، أخبرني والدي يوما أن الإنسان الذي لا يتدبر الوجود لن يكون موجودا، لكنني فكرت مرة أخرى، هل يمكن أن يخطئ والدي؟ استيقظت كل صباح لأتأكد من ذلك، أجلس قبالتها أراقبها أتأملها لمدة طويلة، عادة ما كانت تستيقظ وأنا على تلك الحال، لم يتغير شيء، إنها سبب وجودي، ووحدها فقط ستملك سبب وجودي. أخطأ والدي مرة واحدة، حينما نسي أن يخبرني أنه لم يكن لوجودي معنى من دونها، وأنه لا يجب أن أتدبر في شيء آخر، سوى مراقبتها. زوجتي أحبتني بدورها، كانت تقدس كياني في أبسط صوره، كانت تحب رائحتي، كانت تعشق اللعب بشعري الأشعث، وكنا قد عشنا معا في سلام، وكان ذلك الزمن ليكون النهاية الجميلة لقصتنا، كان ليقول الناس، وعاشا سعداء ما تبقى من عمرهما، لكن لم يحدث شيء من ذلك، فالقدر لم يعجبه قصر القصة وبساطتها، كان له قراء يفضلون القصص المعقدة وأراد أن يتفنن بقصتنا، أن يجعلنا لوحته الأكثر تعقيدا.

وقد كان لي في يوم من الأيام أن التقيت بأحد الفرنسيين الذي كان قد رافق الرجل الذي ساعدني في مرة من المرات التي ارتحلا فيها، فطلب مني أن أرافقه بإحدى رحلاته إلى الجنوب الشرقي، كنت قد رفضت ذلك العرض منه، لكنه رفع السعر ليلامس أحلامي، ثم إنني لم أود أن أخيب ظن السيد الفرنسي الذي ساعدني، فقد كان مشتركا في الرحلة بدوره، وقد أغراني رفيقه بجائزة لم أكن لأنال مثلها في أي رحلة أخرى، وقد خرجنا بعد ليلتين في قافلة محملين بما اختار السيد الفرنسي أن نحمله إلى الجنوب، كنت قد تركت عائلتي، وارتحلنا جنوبا إلى أقصى ما يمكن أن نبلغه، وقد تغيرت أشكال الحياة حولنا واختفت خضرة الأرض واصفرت السماء، كان أقصى حد وقعت عليه قدماي، وازدادت الأرض سخونة حتى إن بعض الحمالين ادعوا أننا نتجه إلى الجحيم، كان رجال منهم يتحدثون عن لعنة التوجه إلى الجحيم، وكيف أن الرب وضع بابا للجحيم على الأرض، وأنه يلعن من يقترب منه، وبلغنا مرحلة لم تكن العودة فيها ممكنة لأي شخص يقرر الاستسلام، لأي شخص يحاول العودة بمفرده، وقد قدر لهذه القافلة أن تعود إن هي أرادت، فقط إن كانت كاملة دون أن تفقد أي فرد، ولو كان بإمكان أي شخص أن يبلغ ما بلغنا، فإنه كان سيموت لو هو حاول النظر إلى الخلف. لقد كانت طريق عودتنا هي استمرارنا نحو التقدم جنوبا. كنت أعلم أن الجو سيبرد مجددا، على خلاف العديد من الرجال الذين اعتقدوا أن ما ينتظرنا جنوبا هو باب الجحيم في الأرض، أما أنا فعلمت أننا سنتوغل إلى الحر، سيموت كثير منا، أو ربما لن نصل أبدا، لكنه يوجد بمكان ما بالجنوب شيء يشبه الشمال، وقد سرنا لأشهر ندفع تلك الإبل إلى الغوص بأعماق القارة، وكنا نلتف بالتفاف الصحراء، حتى إننا كنا نتجه غربا لأيام بحثا عن مياه للإبل، أو نستقر في انتظار القوافل المحلية، عادة كانت تلك التي تتجه شرقا أو غربا، لم يكن أحد يجرؤ على التوجه إلى الجنوب، ننتظر قافلة تدلنا على الماء، أو تزودنا به إن أمكن، مقابل بعض من حمولتنا، لم تكن مسيرتنا رحلة تجارية كما اعتقدت سابقا، كانت رحلة عقائدية، أشبه برحلة روحانية. كان السيد يؤمن بشيء ما، أنه يوجد شيء ما بالجنوب غير الحر والرمال، غير باب الجحيم الخرافي، غير المكان البارد الذي أعتقد أنه ما بعد هذا الاتساع الحار. كان يعتقد أنه يوجد شيء ما، شيء يستحق العناء، عناء الرحلة، عناء لعنة باب الجحيم، يستحق التوجه جنوبا من أجله، وكان بالقافلة بعض الفرنسيين من الجنود، وذلك السيد الفرنسي ورفقاؤه من النبلاء، وكان البقية من العرب. كنت أصغر الجميع سنا، كنت صبيا مقارنة بالبقية، بجسم ضخم وإرادة صلبة، ثم مرت علينا الأيام مرورا لم نلحظه، وكنا نتقدم في الصحراء، كأننا لم نفعل قط، وفي كل خطوة نخطوها أو نتقدمها كانت تظهر الصحراء متنامية الأطراف، كانت كل خطوة تبدو وكأنها الخطوة الأولى، لم نكن نشعر أننا نغوص نحو مكان ما، وكأن الصحراء تتمدد بتطاول خطواتنا، فلا تنتهي حتى نكاد نيأس نهايتها، أذكر أننا كنا نتوقف ببعض القرى فلا نشبع فيها من الأيام البشرية حتى نعود مجددا إلى ما كنا فيه، بل نغادرها بسرعة إلى الجنوب مجددا، لم يخبرنا السيد الفرنسي لم نقوم بالرحلة، بل كان يسجل على دفاتره كل شيء، كان يحسب كل شيء وكأنه يعلم كل شيء، وفي غالب الأحيان كان يجلس إلى جانبي، نتحدث ليلا، بينما يحرس الحارسان القافلة حول نار يقيمانها، كان يسألني عن حياتي، كانت تجمعنا علاقة تمردت على سنوات العداء التي جمعت العرب بالفرنسيين، لم أكن أهتم للون عينيه أو لشعره الأشقر أو حتى للكنته الأجنبية، كان يتحدث لغتي، بل يجيدها تماما، ولم يكن يعبأ بعروبتي، كنا أخوين وكان صديقي بل صاحبي، صاحب لم يكن لي في حياتي من قبل.

وكان لنا في ليلة من الليالي، أن جلسنا حول نار الحراسة، نحرس القافلة، وقد طلب السيد من الحارسين أن يناما ويأخذا قسطا من الراحة، مع أنه كان يجب على الجنديين أن يحرسا القافلة ليلا، لكننا رأينا أننا لن ننام الليلة، وجلست أحاوره ويحاورني. تكلمنا حتى رأيت نارا على بعد منا، أشبه بنقط متجمعة، أشبه بنار مخيم أو أشبه بقافلة تستريح في مكان ما في تلك الصحراء، كان يجب أن أخبر السيد عنها، لكنني لم أفعل فقد اختفت بسرعة، حتى كدت أجزم أنها ما كانت موجودة، ثم إنني اعتقدت أنه قد لا يهمه الأمر، بدت أشبه بسراب ما، أو تخيلات تراودني، تكلمنا كثيرا واستهلكنا جراء كلامنا كثيرا من الشاي، شاي منحنا شعورا باليقظة فازدادت أحاديثنا حلاوة، وكان يقول لي: لم يتوجب علينا القدوم إلى هنا؟ (قدم لي كأس الشاي.) - هل تقصد أنه ما توجب أن نقوم بهذه الرحلة؟ (أنظر إليه في تساؤل.)

كان يبتسم ويقول لي: لا، أنا لا أقصد الرحلة (يتردد بخجل) لكن، ما كان على حكومتنا أن تقوم بالحملة العسكرية.

أخبرته أن الأمر لا يهم، سواء حدث أم لا، وقلت: إنها طبيعة البشر، وحتى إن لم يأت الفرنسيون لفعل ذلك، لقام به آخرون، أو لتسيد علينا سادتنا من العرب، أو ربما كنا سنفعل بكم مثل هذا! إن استعمار الشعوب للشعوب لفطرة إنسانية، ولا أحد مستثنى منها، فإما أن تكون تابعا أو متبوعا؛ لذا أنا لا ألومكم، على الأقل أنا لا ألومك أنت.

ثم سألني قائلا: لم لم يساعدكم إله العرب، أقصد إلهك، أنت متدين، صحيح؟

অজানা পৃষ্ঠা