وكانت امرأة تصغي إلى هذا الحديث، فضاق صدرها.
وقالت بجفاء: ما هي إلا راقصة .. تربت في بؤر الفساد والمجون، ووهبت نفسها منذ الطفولة للخلاعة والغواية، وأجادت فن المساحيق، فتبدت في هذا المظهر الخلاب الكاذب.
فكبر هذا الكلام على أحد الرجال المفتونين فقال: معاذ الرب يا سيدتي، ألم تعلمي بعد أن جمالها الرائع ليس كل ما وهبتها الآلهة من ثراء؟ .. وأن توت لم تبخل عليها بنور الحكمة والعرفان؟ - بخ .. بخ .. من أين لها بالحكمة والعرفان، وهي تنفق عمرها في إغواء الرجال؟ - قصرها يستقبل كل مساء جماعة ممتازة من الساسة والحكماء والفنانين، فلا عجب أن تكون كما يشاع عنها من أعمق الناس فهما للحكمة، وأدراهم بالسياسة وأذوقهم للفن.
وسأل سائل: كم عمرها؟ - يقولون إنها بنت ثلاثين. - لا يمكن أن تجاوز الخامسة والعشرين. - ليكن عمرها ما تشاء، فهذا الحسن يانع قاهر، يقسم أن لن يلحقه الذبول أبدا!
وعاد السائل يسأل باهتمام: ما منشؤها، وما أصلها؟ - علم هذا عند الأرباب .. وكأني بها وجدت منذ الأزل في قصرها الأبيض بجزيرة بيجة! •••
وشقت الصفوف المتراصة بغتة امرأة غريبة، كانت منحنية الظهر كالقوس، تتوكأ على عصا غليظة، منفوشة الشعر بيضاءه، طويلة الأنياب صفراءها، مقوسة الأنف، حادة البصر، يشع من عينيها نور مخيف يرسل من تحت حاجبين كثيفين أشيبين، وكانت ترتدي جلبابا واسعا طويلا، يضيق عند وسطها بمنطقة من الكتان .. وصاح الذين رأوها: ضام .. الساحرة ضام!
فلم تبالهم، وسارت بقدميها الهزيلتين. كانت تدعي الاطلاع على الغيب، وكشف الستار عن المستقبل، وكانت تسخر قوتها الخارقة لقاء قطعة من الفضة، وكان المحيطون بها بين خائف منها ومتهكم بها. والتقت الساحرة في طريقها بشاب حدث، فعرضت عليه أن تقرأ له صفحة الغيب، ولم يمانع الشاب، وكان في الحقيقة ثملا يترنح في سيره، لا تكاد تحمله ساقاه، فدفع لها بقطعة من الفضة، وهو يرنو إليها بعينين نصف نائمتين، وسألته بصوتها الأجش: كم عمرك يا غلام؟
فأجابها وهو لا يعي ما يقول: اثنتا عشرة كأسا.
وعلا ضحك الساخرين، فاهتاجت المرأة غضبا ورمته بالقطعة التي نفحها بها، واستأنفت مسيرها الذي لا ينتهي. واعترض سبيلها شاب آخر ساخر وسألها بقحة: ماذا ينتظرني من الحادثات يا امرأة؟
فنظرت إليه مليا وهي مغيظة محنقة، ثم قالت له: أبشر .. ستخونك امرأتك للمرة الثالثة.
অজানা পৃষ্ঠা