102

خلع الملك جلد النمر ورماه بازدراء، وأسرع إلى مخدعه ليرتدي لباسه الحربي. وفقد سوفخاتب اتزانه، وتوجس خيفة وشرا، فالتفت إلى طاهو، وقال بلهجة الآمر: أيها القائد لا وقت لدينا نضيعه، فاذهب وأعد الدفاع عن القصر، وانتظر ما يأتيك من الأوامر.

وخرج القائد يتبعه الشرطي، ولبث الوزير ينتظر الملك.

ولكن الحادثات لم تنتظر؛ فقد حملت الريح ضوضاء صاخبة، ما زالت تعلو وتشتد حتى طبقت على الآفاق، فهرول سوفخاتب إلى الشرفة المطلة على فناء القصر وألقى بناظريه إلى الميدان، فرأى جموع الشعب تعدو قادمة من بعيد هاتفة ملوحة بالسيوف والخناجر والعصي، كأنها أمواج فيضان هائل جارف لا ترى العين منها إلا رءوسا عارية وسلاحا لامعا، فأحس الوزير بالفزع ونظر إلى أسفل، فرأى العبيد في حركة سريعة يثبتون المتاريس خلف الباب العظيم، وجرى المشاة كالنسور وارتقوا الأبراج المقامة على السور المحيط في الأمام على الجانبين الشمالي والجنوبي، واندفعت قوات عظيمة منهم إلى ممر الأعمدة الموصل إلى الحديقة يحملون الرماح والقسي، أما العجلات، فقد ارتدت إلى الوراء، واصطفت صفين طويلين تحت الشرفة استعدادا للانطلاق في الفناء إذا اقتحم الباب الخارجي.

وسمع سوفخاتب وقع قدمين خلفه، فالتفت إلى الوراء، فرأى فرعون واقفا على عتبة الشرفة في ثياب القيادة العليا، على رأسه تاج مصر المزدوج، وكانت عيناه ترسلان شررا متطايرا، والغضب مرتسما على وجهه كلسان من اللهب، ويقول حانقا مغيظا: حوصرنا قبل أن نبدي حراكا!

فقال سوفخاتب: القصر يا مولاي قلعة لا تؤخذ، يدافع عنها جنود جبابرة، وسيرتد الكهنة مهزومين.

وجمد الملك في مكانه، وتراجع الوزير وراءه، وجعلا ينظران في صمت محزن إلى الجموع التي لا يحصيها العد، وهي تهدر كالوحوش، وتلوح مهددة بسلاحها، وتهتف بأصوات كالرعد: «العرش لنيتوقريس.» «ليسقط الملك العابث.» وكانت جنود الحرس تطلق السهام من خلف الأبراج، فتستقر في المقاتل، ورد الثائرون بسيل عارم من الأحجار والأخشاب والسهام.

وهز فرعون رأسه، وقال: مرحى .. مرحى .. أيها الشعب الكاسر الذي جاء لخلع الملك العابث، ما هذا الغضب، ما هذه الثورة، لماذا تهدد بهذا السلاح، أتريد حقا أن تغمده في قلبي؟ .. مرحى .. مرحى .. إنه لمنظر حقيق بأن يخلد على جدران المعابد .. مرحى مرحى يا شعب مصر.

وكان الحراس يقاتلون بشدة وبسالة، ويطلقون السهام كالمطر، فإذا سقط منهم قتيل حل مكانه غيره مستهينا بالموت، والقواد على متون الجياد يطوفون بالأسوار ويديرون القتال.

وإنه ليشاهد هذه المناظر الأليمة، إذ سمع صوتا يعرفه حق المعرفة يقول: مولاي.

فالتفت إلى الوراء مدهوشا، فرأى الذي يناديه على قيد خطوتين، فقال بعجب: نيتوقريس!

অজানা পৃষ্ঠা