قيل: لئن كان من الشر إلى الخير صار بفراره، لقد أدركه الشر منهما في مقره وقراره، وإن ذلك لما لا ينمي أبدا، ولا يكون حيث كان إلا ضدا.
ثم يقال لهم: هل الظلمة مضآدة للنور ؟
فإن قالوا نعم.
قيل: أبمثل ما يعقل من تضآد الأمور ؟
فإن قالوا: نعم.
قيل: إن الضد لا يجامع أبدا ضدا، إلا أفناه فكان له عند المجامعة مفسدا، ولا تكون المضآدة من الشيئين واقعة، إلا لم تجمعها بعد تضآدهما جامعة، إلا مع بطلان موجود أعيانهما، أو تبدلهما باجتماعهما عن معهود شأنهما، كبطلان الثلج والنار عند اعتلاجهما، أو كتبدل اللونين أو الطعمين في امتزاجهما.
فكيف يصح لما زعموا من الأصلين الاجتماع ؟! أو يوجد منهما بعد المزاج إضرار أو انتفاع ؟! وهما لا يكونان إلا متنافرين، أو مزاجا فيكونا متغيرين، كتغير الممتزجات عند مزاجها إلى فعال واحد، يجده منها بدرك الحوآس أو بعضها كل واحد.
لا كما قال ( ماني ) المكابر لدرك حسه، المخالف فيما قال ليقين نفسه، المتلعب في مذهبه، السفيه بمتلعبه.
وهذا أيضا يكذب قولهم، أن يقال لهم: حدثونا ممن موجود الضحك والبكاء ؟
فإن قالوا: هما من الظلماء. لم يصح أن يكونا وهما متضآدان من واحد غير متضآد. وكذلك إن قالوا من النور لم يصح أن يكونا منه وهو واحد غير ذي تضآد.
وكذلك الجوع والشبع، والصبر والجزع، والفرح والحزن، والجرأة والجبن، وهذا كله، وفرعه وأصله، عندهم شر مذموم، وفي كل حال مقبح ملوم؛ لأنه قد يضحك ويبكي، ويصح في هذا الدار ويشتكي، ويجوع ويشبع، ويصبر ويجزع، ويفرح ويحزن، ويجترئ ويجبن، من يكون ذلك كله منه عندهم في بعض الحال شرا، فكفى بهذا لمن أنصف الحق من نفسه منهم معتبرا.
পৃষ্ঠা ১৩৭