فيا عجبا ممن جهله! وأنكر حقه وعطله!! لو كان الله سبحانه صاحبا لوجب حقه!! فكيف والخلق خلقه ؟! وهو خالق الخلق ومبتدعه، والمحسن إليه في كل حال ومصطنعه، ومن لم يدبر عنه بإحسانه حتى أدبر، ولم يغير ما به من نعمه حتى كفر، كيف وهو من عصاه استرضاه! ومن استكبر وهو القادر عليه أملاه! ثم كرر عليه في دعواه الهدى نداه، ثم من قبل حظه فيه جازاه، ومن أبى عطيته من الخيرات حرمه، وهو الذي قبح من كل ظالم ظلمه. فيا ويل من جهل إحسانه، وركب في الكفر عصيانه، ماذا جهل من إحسان كثير لا يحصى ؟! ومن عصى إذ إياه عصى، فمن أولى منه جل ثناؤه بالعبادة والتعظيم، فيما دعا إليه من الطاعة له والتسليم، وهو الله الهادي إلى سبيل النجاة، والمنعم بنعمه التي ليست بمحصاة .
فإن قال قائل: ومن أين تدري أن هذه نعمه ؟ وأن محدثها إحسانه وكرمه ؟!
فليعلم أن كل ما يرى منها نعم بين آثار الإنعام فيها، بحكم تصحح أثره العقول عليها، وأنه لابد في فطرة العقول، وما فيها لها من المعقول، من أن يكون لهذه النعم مول أولاها، هو الذي فطرها وأنشاها، وأنه لا ينبغي أن يكون موليها، كهي فيما أبان من أثر الصنعة عليها، وأنه لا يوجد شيء غيرها، إلا وجدت فيه الصنعة وتأثيرها، حتى ينتهي ذلك إلى من لا يشبهه مصنوع، ومن كل الأشياء فمنه بدع مبدوع، وأنه الله الأول القديم، الملك القدوس الحكيم.
পৃষ্ঠা ১৫৭