وأما قوله: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [الأنفال:17]، فهي فيما أرى والله أعلم، مما قد يجوز في اللسان ويعلم، أنك لم ترم بالرعب في قلوبهم إذ رميت، ولكني أنا الذي به في قلوبهم رميت، وبالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم انهزموا، لا بالرمي بالبطحاء إذ رموا.
ومثل ذلك من الله لا شريك له قوله: { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم فريقا تقتلون وتأسرون فريقا، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها، وكان الله على كل شيء قديرا } [الأحزاب: 26 - 28]. فما ينكر من القدير على الأشياء، أن يفعل ما يقدر عليه من الرماء، ما ينكر هذا إلا أحمق، ولا يدفع هذا من الله محق، فالله على هذا وخلافه يقدر، وكذلك قدرته في أن يخذل وينصر، وما صحت في فعله لقادر قدرة، فغير مستنكر أن تكون له وحده مفتعلة، وإلا كان معنى القدرة عليه باطلا، إذ ليس يرى بها القادر طول الدهر فاعلا.
فإن قال قائل : فما تقولون هل يقدر الله على أن لا يدخل المتقين الجنان ؟! ولا من كفر نعمته وأنكره وأنكر رسله النيران ؟ !
قلنا قديما كان ولم يدخل واحدا من الفريقين مدخله، وإنما القدرة على أن يدخل ولا يدخل فقدما فعله، فقد كانوا قديما ولم يدخلوا، ولابد بعد أن يدخلوا، فقد كان المقدور عليه من لم يدخل، وسيدخل، فافهموا ما قلنا عنا، وضعوا الفهم فيه حكما بيننا .
পৃষ্ঠা ১৫৪