وأما قوله: من أين علم إبليس أن آدم يكون له ذرية؟ وأن الموت يقضي عليهم؟ فإن جوابنا له في ذلك: أن الله أعلمه ملائكته، فسمعه إبليس من ملائكة الله فيما كان يسترق من السمع، كما قالوا وحكى الله عنهم في قوله: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} [الجن: 9]، فكانوا قبل أن يبعث الله نبيه صلى الله عليه، ويكرمه بما أكرمه من الوحي إليه يسترقون السمع، فلما أن بعثه الله حجبهم عن المقاعد التي كانوا يقعدونها من السماء، ويسترقون من الملائكة الأخبار فيها؛ فيهبطون بها إلى إخوانهم؛ من كهنة الإنس وأوليائهم، كما قال ذو المن والجلال(1): {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} [الأنعام: 113]، فلما أرسل الله رسوله بالوحي البالغ، والنور الساطع؛ حجبهم عن علم شيء من أخبار السماء، لكيلا يسبقوا به ولا يلقوه(2) إلى إخوانهم من كهنة أهل الدنيا، فقذفهم بما جعل لهم من النجوم شهبا رصدا، فرماهم بالنجوم من السماء، ولم يكن قبل ذلك بشيء منها يرمى، فهيل لذلك أهل الأرض والشياطين في الهواء(3)؛ فقالوا في ذلك كما أخبر الله به عنهم، وحكى من قولهم: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [الجن: 9].
পৃষ্ঠা ২৮৭