ومن الحجة أيضا في ذلك، ولمن قال ذلك، أن يقال له(1): أخبرنا عن العقل الذي (تريد بزعمك) (2) أن تقف به على معرفة ربك، أحجة هو لله فيك، أم ليس هو بحجة له عليك؟ فلا يجد بدا من أن يقول هو حجة لله في، ركبها سبحانه للاحتجاج بها علي، فإذا قال ذلك، وكان الأمر عنده فيه كذلك؛ قيل له: أو ليس كذلك القرآن، هو حجة عليك وعلى غيرك من الرحمن؟
فإذا قال: نعم، كذلك أقول، وإلى ذلك اعتقادي يؤول. قيل له: فهل يجوز أن تتضاد حجج الله وتختلف، وتتباعد في المعاني فلا تأتلف؛ فتدل إحداهن على معنى، وتبطله وتنكره الأخرى؛ فكلما أثبتت حجة العقل لله حجة على العباد أنكرتها ودفعتها وخالفتها وأبطلتها حجة الله في الكتاب(3)، وكلما أثبتت حجة الله في القرآن شيئا، دفعته حجة العقول دفعا؟
فإن قال: نعم، يكون ذلك ويوجد، استغني عن مناظرته بجهله، واستدل بذلك على كفره، وخالف الخلق أجمعين، وقال بما لم يقل به أحد من العالمين، وافتضح عند نفسه فضلا عن غيره؛ لأنه يزعم أن حجج الله تتناقض وتتضاد، وما تناقض وتضاد فليس بحجة لله على العباد.
وإن رجع إلى الحق، وتعلق من القول بالصدق؛ فقال: لا يجوز ذلك، ولا يكون أبدا كذلك، لأن حجج الله على الخلق يؤكد بعضها بعضا، ويشهد ناطقها من القرآن؛ لمستجن مركبها في الإنسان؛ ويشهد عقل الإنسان لنواطق حجج القرآن، وكذلك ما نطق به الرسول يشهد له القرآن والعقول.
পৃষ্ঠা ২৫১