أساس الكتاب
وكان أهم تبرير قدمه «صليبي» لمذهبه ونظريته، هو ما جاء في قوله: «ففي حين أن تاريخية عدد من الروايات التوراتية بقيت عرضة للنقاش الحاد، فإن جغرافية هذه الروايات استمرت معتبرة من المسلمات، والحقيقة الساطعة هي أن الأراضي الشمالية للشرق الأدنى قد مسحت وحفرت من قبل أجيال متوالية من علماء الآثار، ومن أقصاها إلى أقصاها، وأن بقايا العديد من الحضارات المنسية قد نبشت من تحت الأرض ودرست وأرخت، في حين أنه لم يعثر في أي مكان كان على أثر يتعلق مباشرة إلى أي حد بالتاريخ التوراتي. وأكثر من ذلك، فإن التوراة العبرية تذكر الآلاف من أسماء الأمكنة من قلة قليلة تماثلت لغويا مع أسماء أمكنة في فلسطين، وحتى في الحالات القليلة التي تحمل فيها مواقع فلسطينية أسماء توراتية، فإن الإحداثيات المعطاة في النصوص التوراتية للأماكن التي تحمل هذه الأسماء في إطار الموقع أو المسافة المطلقة أو النسبية، لا تنطبق على المواقع الفلسطينية. وسجلات مصر والعراق القديم قد قرئت على ضوء النصوص التوراتية، والتي أجبرت على إعطاء مؤشرات جغرافية أو تاريخية تتوافق مع الأحكام المسبقة لدي الباحثين التوراتيين»
2
ومن هنا أسس الباحث عمله بالركون إلى تلك السلبيات التي طرحها حول التاريخ التوراتي وتاريخ المنطقة المدون، ميمما شطر عسير، بادئا بتحديد منهجه ومواد عمله في مقدمة كتابه بقوله: «وأساس هذا الكتاب هو المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري، وأسماء أماكن تاريخية أو حالية في جنوب الحجاز وفي بلاد عسير.» ثم يحدثنا عن الصدفة التي جعلته يعثر على عالم التوراة القديم «المفقود» في جزيرة العرب بقوله: «لقد كان الأمر عبارة عن اكتشاف تم بالصدفة، كنت أبحث عن أسماء الأمكنة ذات الأصول غير العربية في غرب شبه الجزيرة العربية، عندما فوجئت بوجود أرض التوراة كلها هناك، وذلك في منطقة بطول يصل إلى 600كم، وبعرض يبلغ حوالي 200كم، تشمل ما يسمى اليوم «عسير» والجزء الجنوبي من الحجاز، وكان أول ما تنبهت إليه أن في هذه المنطقة أسماء أمكنة كثيرة تشبه أسماء الأمكنة المذكورة في التوراة، وسرعان ما تبين لي أن جميع أسماء الأمكنة التوراتية العالقة في ذهني، أو جلها ما زال موجودا فيها، وقد تبين لي أيضا أن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري، سواء من ناحية أسماء الأماكن، أو من ناحية القرائن أو الإحداثيات، تتطابق تماما مع خريطة هذه الأرض الموصوفة في التوراة، مع خريطة الأرض بين النيل والفرات التي اعتبرت حتى اليوم أنها كانت بلاد التوراة، وهنا قدم الاستنتاج المذهل نفسه بنفسه، فاليهودية لم تولد في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية وليس في أي مكان آخر، ويجب البحث عن الأصول الحقيقية لليهودية، في ثنايا الاتجاه في منحى التوحيد في عسير القديمة.»
3
مشكلة اللغة
وهنا كان على «الصليبي» أن يبدأ - بالطبع - من مشكلة اللغة، ليجد ما يشير إلى أن اللغة العبرية القديمة (وهي أيضا اللغة الكنعانية بإقرار الكتاب المقدس)، وكذلك اللغة الآرامية، وكلتاهما: العبرية والآرامية، كانتا لغة إبرام (إبراهيم). فاللغة الأصلية لآله وأسلافه هي اللغة الآرامية، واللغة التي اكتسبها بهبوط «كنعان»، أو أرض التوراة القديمة هي العبرية/الكنعانية. لقد وجد صليبي - فيما يزعم - كلتا اللغتين، وبالطبع وبالتبعية كلا الشعبين، الآرامي والعبري «وبالضرورة الكنعاني»، في بلاد عسير العربية، ولأنه قرر أن يعمل على أساس المقابلة اللغوية لأسماء الأماكن، فقد جاء اكتشافه لوجود تلك الشعوب ولغاتها فيما جاء بسفر التكوين، 31: 47-49 عن الميثاق الذي تم بين يعقوب (العبري)، وخاله لابان (الآرامي)، وهو الميثاق الذي أقيم بموجبه شاهد تمثل في كوم من الأحجار، أطلق عليه لابان بلسانه الآرامي «يجر سهدوثا»، وأطلق عليه يعقوب بلسانه العبراني «جلعيد والمصفاة». وقد وجد صليبي أن تلك الأسماء ما زالت تطلق حتى اليوم على ثلاث قرى صغيرة متجاورة، في منحدرات عسير البحرية، في منطقة «رجال ألمع» غربي أبها، وهي: قرية الهضبة، وهي في الآرامية «يجر»، وقرية «الجعد»، وهي عند الصليبي المقابل لاسم «جلعيد»، ثم قرية «المضاف» التي هي بقلب الصاد «المصفاة».
4
وعليه يذهب إلى نتيجة يؤكدها، وهي أن المملكة الإسرائيلية، قد تأسست في غرب شبه جزيرة العرب، بين أواخر القرن الحادي عشر، وبين مطلع القرن العاشر الميلادي، قياسا على تاريخ هجرات الفلسطينيين والكنعانيين من عسير إلى فلسطين، بضغط افتراضه قد حدث من قبل الإسرائيليين عليهم في عسير، وهناك أطلق المهاجرون إلى فلسطين أسماء مواطنهم القديمة في عسير على مقار استيطانهم الجديدة بفلسطين، وهو ما يفسر لنا التشابه بين أسماء المواضع الجغرافية الفلسطينية، وبين أسماء المواضع التوراتية، وهي الظاهرة المرتبطة بالهجرة في كل زمن وفي كل أنحاء العالم؛ فالمهاجرون يحنون دوما إلى الوطن الأصلي، فيطلقون على مواضع مهجرهم الجديد أسماء البلدان والأقاليم والجبال والأنهار التي تركوها في مواطنهم الأولى.
5
অজানা পৃষ্ঠা