طبيعة النقد الأدبي ومنهجه ووجوب اعتماده على الذوق أو نهوضه كعلم موضوعي. (2)
الشعر وطبيعته وملكة إنتاجه من حيث حاجته إلى معرفة عميقة بالحياة أو استغناؤه عن تلك المعرفة.
ولما كانت هاتان المسألتان أمرهما قديم، وكانت قد قامت بيننا وبين عدد من الأدباء وأساتذة الأدب منذ سنوات مناقشات حادة حولهما، ولما كنا قد أحسسنا بأن العناصر المكونة لهما لا تزال مختلطة غير واضحة، فقد رأينا أن نعود إليهما وبخاصة وأنهما يدخلان في صميم الأدب ونقده وتوجيهه، ونحن الآن في مرحلة من تاريخ الحياة العقلية في مصر لا يمكن إلا أن تفيد من مثل تلك المناقشات التي قد تنقدح منها شرارة الصواب. •••
يقول الدكتور زكي نجيب محمود: إن ما نقول به من أن الذوق هو أساس النقد الأدبي فيه خطر بالغ على الشبان الدارسين للأدب أو المتعلقين به؛ وذلك لأنه يمد لهم في حبل الغرور، ويطلق لأهوائهم العنان، ويعفيهم من ضرورة الحذر في الأحكام وتحصيل المعرفة وقراءة عيون المؤلفات ... إلخ، قبل أن يتخذوا من أنفسهم فيصلا للحكم على الأدب والأدباء.
ونحن مع اعترافنا بصدق هذه الحقيقة التي لمسناها أحيانا كثيرة في قاعات التدريس بالجامعة، بل وفي الكتب والمجلات، نعم إننا مع تسليمنا بهذه الحقيقة لا نظن أن كتابنا عن «النقد المنهجي عند العرب» يمكن أن يدفع على أي نحو في هذا الاتجاه؛ وذلك لأن الذوق الذي ندعو إليه كما لاحظ الكاتب نفسه أبعد ما يكون عن نزوات الغرور التي يخشاها عند الشباب.
لقد حددنا نحن أنفسنا لهذا الذوق مجال عمله وأوضحنا مقوماته فقلنا إن الذوق الذي يعتد به هو الذوق المدرب المصقول بطول الممارسة لقراءة النصوص الأدبية وفهمها وتحليلها، ثم أضفنا أنه لا يكفي أن يكون هذا الذوق مدربا، بل يجب أن تبرره نظرات العقل القائمة على التفكير السليم والمعرفة الدقيقة، وذلك حتى يصبح الذوق وسيلة مشروعة من وسائل المعرفة التي تصح لدى الغير.
وأما أن الذوق في ذاته هو أساس كل نقد أدبي صحيح فتلك حقيقة واقعة، بل هي ضرورة إنسانية. ولما كان إنكار الواقع لا يمحوه، وكانت مقاومة الضرورات الإنسانية لا تجدي فتيلا، فإنه من الخير للأدب وناقديه أن نسلم بعظم الدور الذي يلعبه هذا الذوق في نشاطنا الأدبي.
ولأكبر نقاد فرنسا في العصر الحاضر الأستاذ لانسون مقال عن المنهج في الأدب ترجمناه إلى اللغة العربية ونشرته دار العلم للملايين ببيروت في كتاب صغير بعنوان «منهج البحث في الأدب واللغة» وقد ضم هذا الكتاب بين دفتيه مقال الأستاذ لانسون المشار إليه، ثم مقالا آخر للعالم العالمي المشهور الأستاذ مييه عن منهج البحث في اللغة، وكم كنت أود لو اطلع الدكتور زكي على بضع صفحات من مقال الأستاذ لانسون عالج فيها المشكلة التي نتعرض لها اليوم، فأوضح من معالمها وألقى عليها من الضوء ما كان خليقا بأن يغني الدكتور زكي عن كثير من الشكوك والمخاوف التي تساوره عن النقد والعلم.
وفي الحق أن الدكتور زكي قد أخذ الحقائق الأدبية والفلسفية، بل والحقائق الإنسانية العامة على نحو مسرف في التبسيط. وآية ذلك أنه بالرغم من القيود والتحفظات التي وضعناها للذوق عندما يعمل في الأدب، نعم بالرغم من كافة تلك القيود والتحفظات، عاد الدكتور الفاضل إلى مناقشة في الأسس لا نراها تستند إلى شيء ثابت من الحقائق المعقدة التي يزخر بها الأدب من جهة والحياة الإنسانية من جهة أخرى.
عاد الدكتور الفاضل فتساءل عن كيفية تعليل الذوق بأسباب وكيفية إخضاعه لنظر العقل ورأى تناقضا في الجمع بينهما.
অজানা পৃষ্ঠা