وانطلق قطار الثورة من محطة إلى محطة، يحقق انتصارات لا حصر لها، ويذلل العقبات، ويطوي التحديات.
وما زال صادق صفوان يكابد القلق الذي يأبى أن يفارقه. وشد ما جزع لما حل بأسرة الزين باشا، فقد التهم الإصلاح الزراعي الجزء الأكبر من أراضي زبيدة هانم، كما توقف نشاط الزين في البورصة، ولم يعد للأسرة من مورد إلا إيجار المتبقي من الأرض الذي ضمر أيضا بحكم القوانين الجديدة. وحتى ابنه محمود استقال من السلك السياسي وأقام في إنجلترا مهاجرا أبديا. ويقول صادق: لست من الإقطاعيين ولكنني من ذوي الأملاك، وقد يأتي دورنا، ألا ترون أن الثورة عدو سافر للناجحين؟!
دائما وأبدا يشعر بأنه مطارد، وأصبح في حيرة وأي حيرة من أرباحه المتصاعدة فيقول: لا أدري ماذا أفعل بمدخراتي. من الحماقة أن أستثمرها في البناء، ومن الغباء أن أودعها في البنوك، ومن الجنون أن أبقيها في بيتي!
وقال لابنه إبراهيم يوما: لعل بالك قد ارتاح الآن!
ولكن إبراهيم أجابه: ألم تسمع عن استغلال النفوذ؟ ألم تبلغك أنباء المخابرات؟ ألم تشم رائحة الفساد؟!
فقال له حانقا: كأنك تحلم بثورة جديدة، ألا تكفينا ثورة واحدة؟!
وظن صبري يوما أنه صاحب الثورة باعتباره إخوانيا، فلما انقلبت الثورة على الإخوان قبض عليه فيمن قبض عليهم وقدم إلى المحاكمة، غير أنه كان من القلة التي برئت ساحتها، وفقد ثقته في كل شيء. وفي اللحظة المناسبة هرب إلى السعودية والتحق بعمل مناسب في شركة مقاولات. وقد شق الفراق على صادق وإحسان ولكنه تعزى بأن ابنه وجد في السعودية مستقرا وعملا وأمنا بعيدا عن مصر التي أصبح يحكمها - في اعتقاده - قانون الغاب. ورغم همه المقيم والى ولي نعمته بحبه وإخلاصه وزياراته المتلاحقة، وكان الباشا القديم قد نيف على الثمانين وتدهورت صحته ولزم حجرته، فوهنت ذاكرته وذبلت شعلة اهتمامه بأي شيء، بخلاف زبيدة هانم التي صمدت لتقلب الحظوظ، وعرض صادق عليها أن يمدها بما ينقصها، قال: اسمحي لي أن أرد شيئا من جميلكم الذي لا ينسى.
وقبلت معونته قائلة: إنك ابني مثل محمود الذي فقدته إلى الأبد.
وأخذت السرايات في الاختفاء وحلت مكانها العمائر والسكان الجدد فتساوت العباسية شرقيها وغربيها لأول مرة في التاريخ. وذات ليلة أراد حمادة الحلواني أن يخفف من قلق صادق، فقال له مازحا: إليك هذا البيت.
ما مضى فات والمؤمل غيب
অজানা পৃষ্ঠা