قرة العين بالمسرة بوفاء الدين
تأليف
الحافظ زين الدين عبد الرحيم أبي الحسين العراقي (المتوفى سنة ٨٠٦ هـ)
التحقيق
قسم التحقيق بدار الصحابة للتراث بطنطا
অজানা পৃষ্ঠা
كِتابٌ قَد حَوى دُرَرًّا ... بِعَيْنِ الحُسْنِ مَلحُوظَة
لِهَذا قلت تنبيهًا
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
لدار الصَحَابَةِ للِتُّراثِ بطنطا
للنَشْرِ - والتّحقِيقِ - والتَوزيع
المُرَاسَلات:
طنطا ش المديرية - أمَام محَطة بَنزين التعاونِ
ت: ٣٣١٥٨٧ - ص. ب: ٤٧٧
الطبعَة الأولى
١٤١١ هـ - ١٩٩١ م
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة.
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
وبعد:
فبين أيدينا كتاب قيم للحافظ العراقي ألا وهو كتاب [قرة العين بالمسرة بوفاء الدين] ولعظم أمر الدَّيْنِ فقد أفرد الحافظ العراقي له تصنيفًا ممتعًا هو الذى بين أيدينا الآن.
فإن الدَّيْنَ أمره عظيم وخطبه جليل فقد ترك النبى ﵌ الصلاة على المدين حتى يقضى عنه دينه.
وقد جُعل الدين مانعًا للذى يقاتل فى سبيل الله من دخول الجنة حتى يقضى عنه، لأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا تكفر حقوق الآدميين إنما
1 / 3
تكفر حقوق الله تعالى، ولكن هذا التشديد ليس في حق من مات وليس عنده وفاؤه كما ثبت في بعض الأحاديث الصحيحة وهو قول العراقي وغيره.
أما الكتاب الذي بين أيدينا للحافظ العراقي فقد قسمه إلى مقدمة، وسبعة أبواب.
أما المقدمة: فقد اشتملت على أن الله ﷿ قد قسم الأرزاق بين العباد وجعل فيهم الغنى والفقير لحكمة عظيمة ألا وهي شكره ﷾، وجعل للفقراء في أموال الأغنياء نصيبًا معلومًا وجعل بعض العباد فتنة لبعض فأرشدهم النبي ﷺ إلى الأمن بن هذه الفتنة بالنظر إلى من دونهم في المال والرزق فإن ذلك أحق أن لا يحقر نعمة الله ﷿ لأن الإِنسان إن رأى مَنْ فُضِّل عليه في الدنيا. طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه هذا هو الموجود في غالب الناس وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فيشكرها، ومع ذلك فإن الواجب على الناس أن يتواسوا فيها بينهم بالأموال كما كان يفعل الرسول ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم، ولقد استدان النبي ﷺ وأصحابه بنية الوفاء فأعانهم الله ﷿ على أداء الدين.
أما الباب الأول: فقد شدد النبي ﷺ في الدين حتى جعله من إخافة النفوس بعد أمنها، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا تكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى، وجعل الدين مانعًا للذى يقاتل في سبيل الله من دخول الجنة حتى يقضى عنه دينه، ولكن هذا التشديد في حق من كان عليه الدين وعنده وفاؤه.
أما الباب الثاني: ففيه الترغيب لأصحاب الأموال بالإِقراض وأن الإِقراض كالصدقة وترغيب أصحاب الأموال في إقراض المحتاجين وذوى العسرة من الناس وفى ذلك من الثواب العظيم يوم القيامة.
أما الباب الثالث: ففيه الترغيب في إنظار المعسر والوضع عنه وما في ذلك من الثواب العظيم، والتجاوز عن المدين فإن الله ﷿ يتجاوز عنه يوم القيامة، فإن الله ﷿ ييسر هذا اليوم على من يسر على معسر والتيسير على
1 / 4
المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين إما بإنظاره إلى الميسرة، وذلك واجب كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾: وتارة بالوضع عنه وإن كان غريمًا، وإلا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم.
أما الباب الرابع: ففيه أن الله ﷿ يعين صاحب الدين الذي ينوى أداءه، ومن أخذ الدين وينوى وفاءه فالله ﷿ معه حتى يؤديه: وذلك ما لم يكن فيما يكره الله ﷿ فهذا هو الذي يكون الله في عونه ويؤديه عنه، أما المستدين في مكروه لله كراهة تحريم أو تنزيه ولا يجد لقضائه سبيلًا، ونوى ترك القضاء فهو المستعيذ منه ﷺ، فعلم أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله ﷿ يتكفل بأدائها عنه أما من أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.
أما الباب الخامس: ففيه الترهيب من أن نفس المؤمن مرتهنة بدينه ومعلقة حتى يقضى عنه فإن روحه محبوسة عن مقامها الكريم من دخولها الجنة في زمرة الصالحين حتى يقضى دينه، فإن الرجل يكون مأسورًا بدينه حتى يقضى عنه.
أما الباب السادس: ففيه استعاذته ﷺ من ضلع الدين ومن الفقر والقلة والذلة، وأن الدين يعادل في العقاب بالكفر والذلة والإهانة وغلبة صاحب الدين عليه وسلطانه على المدين ولهذا كان النبي ﷺ يستعيذ بالله من ضلع الدين.
أما الباب السابع: فقد ختم به المصنف كتابه وجاء فيه ببعض الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ لوفاء الدين.
فدونك هذا الكتاب ففز به.
1 / 5
ترجمة المصنف
اسمه ومولده ونشأته:
هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المِهرَاني المولد، العراقيّ الأصل، الكردي، الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر وُلد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة نشأ نشأة صالحة وحفظ كثيرًا من متون الفقه والحديث: ككتاب الإِمام ابن دقيق العيد، واشتغل بكافة علوم الشريعة وأحب الحديث، فصار حافظ وقته، رحل إلى الحجاز والشام وفلسطين، وأراد ﵀ أن يرحل إلى بغداد فعاقه ذلك خوف الطريق وقلة الرواة في بغداد آنذاك.
لازم الحافظ صلاح الدين العلائي وانتفع به وأخذ عنه علم الحديث كذلك أخذ علم الحديث عن الحافظ علاء الدين ابن التركماني وابن عبد الهادي وأبي الفتح الميدومي وغيرهم ونظر في الفقه وأصوله ولازم الجمال الإِسنوي وعنه وعن الشمس بن اللبان أخذ الأصول وتقدم فيهما بحيث كان الإِسنوي يثنى على فهمه، ويستحسن كلامه في الأصول ويصغى لمباحثه فيه ويقول إن ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ.
ثناء العلماء عليه:
قال ابن حجر:
"الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر".
وقال في صدر أسئلة له:
"سألت سيدنا وقدوتنا ومعلمنا ومفيدنا ومخرجنا شيخ الإِسلام وأحد الأعلام حسنة الأيام، حافظ الوقت. . . ".
1 / 6
وقال التقي الفاسي في "ذيل التقييد":
"كان حافظًا متقنًا عارفًا بفنون الحديث والفقه والعربية وغير ذلك، كثير الفضائل والمحاسن متواضعًا ظريفًا.
ومسموعاته وشيوخه في غاية الكثرة، وأخذ عنه علماء الديار المصرية وغيرهم، وأثنوا على فضائله، وأخذت عنه الكثير بقراءتي وسماعًا، وبعد انصرافه من المدينة أقام بالقاهرة مشتغلًا بالتصنيف والإِفادة والإِسماع حتى مضى لسبيله محمودًا".
وذكره ابن الجزري في طبقات القراء فقال:
"حافظ الديار المصرية ومحدثها وشيخها".
وقال القاضي عز الدين بن جماعة:
"كل من يدعى الحديث في الديار المصرية سواه، فهو مدّع".
صفته وخُلُقه:
قال تلميذه ابن حجر:
"كان منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام طارحًا للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لا يعتمد إلا على نفسه أو على الهيثمي -وكان رفيقه وصهره- لطف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قل أن يواجه أحدًا بما يكرهه ولو آذاه، متواضعًا، منجمعًا، حسن النادرة والفكاهة.
قال: وقد لازمته مدة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلى الصبح استمر غالبًا في مجلسه مستقبل القبلة تاليًا ذاكرًا إلى أن تطلع الشمس ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب.
"وكان كثير الحياء والعلم والتواضع محافظًا على الطهارة نقي العرض، وافر الجلالة والمهابة، على طريق السلف، غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع.
1 / 7
وكان حسن الأدب والشكل ظاهر الوضاءة كأن وجهه مصباح ومن رآه عرف أنه رجل صالح".
مصنفاته:
١ - إخبار الأحياء بأخبار الإِحياء:
وهو تخريجه الكبير لإِحياء علوم الدين للغزالي، ذكره ابن فهد في لحظ الألحاظ، وقال إنه في أربع مجلدات.
٢ - المغني عن حمل الأَسفار في الأسفار في تخريج ما في الإِحياء من الأخبار:
اختصره من أصل كتابه الإِخبار -وهو مطبوع مع "إحياء علوم الدين".
٣ - الكشف المبين عن تخريج إحياء علوم الدين:
وهو وسط بين كتابه "إخبار الأحياء" و"المغني عن حمل الأسفار".
٤ - إكمال شرح الترمذي لابن سيد الناس اليعمري:
أكمل فيه شرح "سنن الترمذي" للحافظ ابن سيد الناس الذي وصل فيه إلى باب: ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمار.
٥ - الدرر السنية في نظم السيرة الزكية:
وهي ألفية في السيرة النبوية، طبع في القاهرة.
٦ - الكلام على الأحاديث التي تكلم عليها بالوضع وهي في مسند الإِمام أحمد، ذكره ابن فهد.
٧ - طرح التثريب في شرح التقريب:
شرع في شرح "التقريب له" ولم يكمله وأكمله الحافظ أبو زرعة ولد المؤلف -وهو مطبوع في أربعة مجلدات كبار.
٨ - التقييد والإِيضاح لما أَطلق وأُغلق في كتاب ابن الصلاح.
٩ - ألفية الحديث وهي مسماة بـ "التبصرة والتذكرة" وشرحها في "فتح المغيث".
١٠ - النكت علي مقدمة ابن الصلاح.
١١ - النجم الوهاج في نظم المنهاج.
١٢ - إحياء القلب الميت بدخول البيت.
1 / 8
١٣ - المورد الهني في المولد السني.
١٤ - محجة القرب إلى محبة العرب.
١٥ - قرة العين بوفاء الدين (١). وهو كتابنا هذا.
قال في ذيل طبقات الحفاظ: وهو آخر مؤلفاته حدث به مرارًا.
١٦ - الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد.
١٧ - تفضيل زمزم على كل ماء قليل زمزم.
١٨ - الكلام علي مسألة السجود لترك القنوت.
١٩ - مشيخة القاضي ناصر الدين بن التونسي.
٢٠ - ذيل مشيخة القاضي أبي الحرم القلانسي.
٢١ - ترتيب من له ذكر تخريج أو تعديل في بيان الوهم والإِيهام.
٢٢ - أطراف صحيح ابن حبان.
٢٣ - رجال سنن الدارقطني.
إلى غير ذلك من المؤلفات النافعة
وفاته ﵀-:
(ت ٨٠٦)
مات الشيخ عقب خروجه من الحمام في ثامن شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر شيخ الإِسلام سراج الدين".
مصادر الترجمة:
١ - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع - للسخاوي (٤/ ١٧١).
٢ - إنباء الغمر بأنباء العمر - لابن حجر (٥/ ١٧٠).
٣ - حسن المحاضرة - للسيوطي (١/ ٣٦٠).
٤ - ذيل طبقات الحفاظ ص ٢٢٠.
٥ - معجم المؤلفين لرضا كحالة (٥/ ٢٠٤).
٦ - الأعلام للزركلي (٣/ ٣٤٤).
٧ - شذرات الذهب - لابن العماد (٧/ ٥٥).
_________
(١) ذكره في ذيل طبقات الحفاظ بها الاسم، وذكره صاحب كشف الظنون [٢/ ١٣٢٤] باسم: قرة العين بالمسرة لوفاء الدين.
1 / 9
عملي في الكتاب:
١ - عزوت الآيات القرآنية إلي سورها.
٢ - خرجت ما في الكتاب من الأحاديث النبوية المرفوعة مع ذكر درجة الحديث.
٣ - علقت على بعض الأحاديث وما اشتملت عليه من فوائد علمية وذلك من كلام علمائنا.
٤ - قمت بإصلاح بعض الأسماء والأنساب التي طرأ عليها التصحيف وذلك قدر الإمكان.
٥ - علقت على بعض الكلمات الغريبة أو الغامضة المعنى حتى يتيسر فهم القارئ للمعنى.
٦ - قدمت للكتاب بمقدمة عن الكتاب والمؤلف والمخطوط.
٧ - قمت بعمل عناوين توضيحية ووضعتها بين معكوفتين.
٨ - أعددت الفهارس العلمية للكتاب.
وبعد. . .
فهذا فضل الله وتوفيقه، أعاننا حتى خرج الكتاب إلى النور، بعد أن ظل حبيسًا قرونًا طوال، وها هو ينضم إلى سلسلة الكتب التراثية التي عزمنا على إخراجها إلى النور.
ولكن لا يفوتنى أن أذكر في هذا المقام أنه لابد أن يوجد في أي عمل بشري بعض النقص والهفوات التي يسبق القلم إليها أو يذهل عنها، والكمال لله وحده، فهذا جهد المقل.
وحسبي الله ونعم الوكيل، أن أريد إلا الإِصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
المحقق
أبي أويس المصري
1 / 10
[وصف مخطوطة الكتاب]
وتوثيقها
عثرنا بفضل الله تعالى على هذا المخطوط الطيب في دار الكتب المصرية العامرة، ويقع المخطوط تحت رمز حديث تيمور برقم (٤٩٥) ومنه نسخة ميكروفيلمية (٣٧٨٤) عدد صفحات المخطوط ٧٨ صفحة في كل صفحة ١١ سطر، وقد كتبت المخطوطة بخط جيد.
لا ريب في صحة نسبة المخطوط إلى العراقي، فلقد عزاه إليه، كلُّ من حاجي خليفة في كشف الظنون والسيوطي في ذيل طبقات الحفاظ.
1 / 11
[صورة من المخطوطة]
1 / 12
[صورة من المخطوطة]
1 / 13
[صورة من المخطوطة]
1 / 14
كِتَابُ قُرَّةِ العَيْنِ بالمَسَرَّةِ بوَفَاءِ الدَّيْنِ
تَألِيفُ
الشَّيْخ الإِمَامِ العَالِمِ العَلَّامَةِ فَرِيد دَهْرِهَ وَوَحِيِد عَصْرِهِ وبَارِعَةِ زَمَانِه وَنابِغة أقرانه شيخ الْمُسلمين وَإِمَام الْمُحدثين ورحلة الطالبين
زين الدّين عبد الرَّحِيم أبي الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ الأثري
﵀ ورضى عَنهُ ونفعنا وَالْمُسْلِمين ببركته وبركة علومه آمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
1 / 15
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله الذي قسم الآرزاق بين عباده بعدله، فوسع على من شاء منهم ورزقه بسعة من فضله، وقدر على من شاء رزقه، فله الحمد على ذلك كله، ورزق من شاء بغير حساب فلا يُسأل سبحانه عن فعله، ونشهد أن لا إله الا الله المنفرد بإبرامه وحله، وأَشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل أنبيائه ورسله، والداعى إلى الله على بصيرة بأوضح سبله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أمرهم بالتبليغ عنه فقاموا بأعباء حمله، صلاة دائمة باقية وسلامًا لا انقطاع لوصله، أما بعد. .
[حق الفقراء على الأغنياء]
فإن الله تعالى لما قسم الأرزاق بين عباده فقال في محكم التنزيل: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ (١) الآية، فكان فيهم الغني والفقير، فُرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم كما روى ذلك عن علي بن أبي طالب ﵁ وقد روى ذلك مرفوعًا من حديثه كما أخبرنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي ﵀ قال: أنبأنا الشريف إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن مناقب السني، وعبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الدمشقي قالا: أنبأنا عمر بن محمد بن عمر، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين، أنبأنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا محمد [بن عبد الله] (٢) ابن سعيد البورقي، حدثنا أحمد بن محمد بن مقاتل، حدثنا محمد بن مردويه، حدثنا أبو إسماعيل حفص بن عمر قال: حدثني عبيد قال: حدثني محمد بن
_________
(١) سورة الزخرف الآية: ٣٢.
(٢) كذا بالمخطوطة ولعلها أبو عبد الله وهي كنية محمد بن سعيد البورقي.
1 / 17
على، عن أبيه، عن عمه محمد بن الحنفية قال: حدثني علي بن أبي طالب أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم، فإن منعوهم حتى يجوعوا ويعروا ويجهدوا حاسبهما الله حسابًا شديدًا وعذبهم عذابًا نكرًا" (٣) وهذا حديث ضعيف لا تقوم به حجة، أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية من طريق أبي بكر الشافعي وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله ﷺ والمتهم به البورقي. قلت: ولم ينفرد به البورقي فقد رويناه في الحلية لأبي نعيم من رواية الحسن الحلواني أحد الثقات عن حفص المذكور إلا أنه قال: حفص بن ميمون، نسبه إلى جده وهو حفص بن عمر بن
_________
(٣) إسناده موضوع:
فيه محمد بن سعيد البورقي. قال حمزة السهمي: كذاب، حدث بغير حديث وضعه، قال الخطب البغدادي: ما كان أجرأ هذا الرجل على الكذب.
وقال الحاكم: وضع مالا يحصى، وقال الذهبي: كان أحد الوضاعين وأخرجه الخطيب في تاريخه (٥/ ٣٠٨) وابن الجوزي في العلل المتناهية (٢/ ٤٩٢) من طريق البورقي هذا.
وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير (١/ ١٦٢) من طريق ثابت بن محمد الزاهدي، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن حرب (*) ابن سريج المنقري، عن أبي جعفر (**) محمد ابن علي عن محمد بن الحنفية عن علي ﵁ مرفوعًا.
وسنده ضعيف فيه ثلاث علل:
الأولى: ثابت بن محمد الزاهدي: ضعيف ضعفه البخاري وغيره.
الثانية: عبد الرحمن بن محمد المحاربي: مدلس قاله أحمد والعجلي. وقد عنعنه
الثالثة: حرب بن سريج: ضعيف قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن حبان يخطئ كثيرًا.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (٣/ ١٧٨) حدثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا الحسن (...) بن علي عن محمد بن الحنفية أنه سمع أباه عليًا رضي الله تعالى عنه يقول فذكره.
_________
(*) وقع في المعجم الصغير للطبراني حرث بن سريج والصواب ما أثبتناه.
(**) وقع في المعجم الصغير عن أبي جعفر بن محمد بن علي والصواب ما أثبتناه.
(...) وقع في الحلية الحسين بن علي والصواب ما أثبتناه. =
1 / 18
ميمون العدني، وثقه محمد بن حماد الطهراني وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ليس بثقة.
وهذا الحديث وإن اختلف في بعض رواته وكان الراجح فيه التضعيف لكن معناه صحيح يشهد له ما أوجبه الله تعالى من الزكوات، وخصصها بمن سماهم في كتابه العزيز، وما أوجب من كفاية المضطرين على سبيل فروض الكفايات وربما
_________
= وهذا السند يحتمل أنه سقط منه حفص بن عمر بن ميمون وذلك لأمرين:
الأول: أن العراقي ذكر أن الحسن بن علي رواه عن حفص بن عمر بن ميمون.
الثاني: أن الحسن بن علي وهو الحلواني لم تعرف له رواية عن محمد بن الحنفية ولم يذكر أحد أن الحسن بن علي من تلاميذ محمد بن الحنفية فإن صح ذلك فحفص بن عمر بن ميمون ضعيف.
وقد روى هذا الحديث موقوفًا على عليّ ولا يصح أيضًا أخرجه البيهقي (٧/ ٢٣) وابن حزم في المحلى (٦/ ٢٢٨) من طريق أبي شهاب الحناط عن أبي عبد الله الثقفي عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن علي بن أبي طالب أنه سمع علي بن أبي طالب يقول فذكره.
وهذا سند ضعيف.
فإن أبا عبد الله الثقفي من المحتمل أن يكون هو عبد الملك بن سفيان الثقفي فهو الذي يروي عن محمد بن علي بن الحسين -أبو جعفر الباقر- كما في التعجيل (٢٦٥) فإن كان هو فإنه مجهول كما قال الحسيني وأقره ابن حجر كما في التعجيل.
فإن يك هو فهو كما علمت، وإن لم يكن هو فلم أعرفه.
وأخرجه أيضًا أبو عبيد في الأموال (١٩٠٩) من طريق أبي شهاب الحناط عن أبي عبد الله الثقفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث أن عليًا يقول فذكره.
وهذا سند ضعيف أيضًا لعلتين:
الأولى: أبو عبد الله الثقفي وقد علمت ما فيه من كلام.
الثانية: الانقطاع بين محمد بن عليّ وعليّ بن أبي طالب ﵁، ولعل هذا من أوهام أبو شهاب الحناط فإنه كان صدوقًا يهم في حديثه كما قال الساجي، وقد قال الذهبي في الميزان (٢/ ٥٤٤): صدوق في حفظه شيء.
1 / 19
تعين ذلك على بعض المكلفين لعدم قدرة غيره أو لعدم وجود غيره في ذلك المكان في ذلك الزمان والله أعلم.
[حكمة التفضيل بين الناس في الرزق]
وأما حكمة الله تعالى في خلقه بجعله تعالى بعضهم غنيًا وبعضهم فقيرًا، فروى أن آدم ﷺ سأل ربه تعالى عن ذلك كما أخبرني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الخباز ﵀ بقراءتي عليه بدمشق قال: أنبأنا المسلم بن محمد، أنبأنا حنبل، أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني، أنبأنا الحسن بن علي بن المذهب، أنبأنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن يعقوب [الربالي] (٤)، حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أُبي بن كعب ﵁ في قوله ﷿: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ (٥) قال: جمعهم فجعلهم أرواحًا ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثّاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيرى ولا رب غيرى ولا تشركوا بي شيئًا إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا ورفع عليهم آدم ﵇ ينظر إليهم فرأى الغنى والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك فقال: "يا رب لولا سويت بين عبادك؟ قال: إني أحب أن أشكر" (٦).
_________
(٤) كذا في مسند أحمد وجاء في تعجيل المنفعة: الزبالي بالزاي.
(٥) سورة الأعراف الآية: ١٧٢.
(٦) إسناده حسن موقوف:
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (٥/ ١٣٥) من طريق محمد بن يعقوب الربالي ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبي بن كعب فذكره. =
1 / 20
هكذا رواه عبد الله بن أحمد في زياداته علي المسند، وإسناده حسن، ورواية أبي العالية عن أُبي بن كعب عند أصحاب السنن الثلاثة حسن الترمذي بعضها، وأبو العالية قرأ القرآن على أُبي بن كعب كما رواه النسائي في فضائل القرآن، وفي المناقب من سننه، وأما الحديث الذي رويناه في الحلية من حديث أنس عن النبي ﷺ عن جبريل ﵇ عن ربه تعالى وتقدس في حديث فيه: "وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك" (٧) ومن عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو بسطت له لأفسده ذلك" (٧) الحديث فاسد لا يصح إسناده، وحديث أُبي بن كعب الذي قبله أصح إسنادًا منه إذ قد أراد الله واختار تفضيل بعض الخلق على بعض وكان ذلك هو المرتضى عند أهل الرضا بالقضا فهم يشهدون الإِعطاء في المنع وكان منهم من لم تكن نفسه مطمئنة
_________
= هذا إسناد حسن موقوف لكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأى.
محمد بن يعقوب الربالي لا ينزل إن شاء الله حديثه عن الحسن، والربيع بن أنس، لخص حاله ابن حجر في التقريب فقال: صدوق له أوهام.
والحديث أخرجه (٢/ ٣٢٤)، والطبري (٩/ ١١٥)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (٩٩١) من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب بنحوه، وفي بعضها زيادة.
(٧) إسناده ضعيف:
أخرجه ابن أبي الدنيا في الأولياء [١] وأبو نعيم في الحلية (٨/ ٣١٨)، والبيهقي في الأسماء والصفات (١٢١)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (١/ ٤٤١) من طريق الحسن بن يحيى الخشني عن صدقة بن عبد الله الدمشقي عن هشام الكناني عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ عن جبريل عن ربه تعالى مطولًا.
وسنده ضعيف فيه علل:
١ - هشام الكناني لم أعرفه، وذكر ابن حبان في الثقات، وابن حجر في تهذيب التهذيب، هشام بن زيد بن أنس بن مالك يروى عن أنس وهو من رجال الشيخين، فلعله هو.
٢ - صدقة بن عبد الله -وهو أبو معاوية السمين- ضعيف.
٣ - الحسن بن يحيى الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في التقريب.
1 / 21