Questions of al-Tirmidhi to al-Bukhari About Hadiths in Jami' al-Tirmidhi
سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي
প্রকাশক
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى ١٤٢٤هـ/٢٠٠٣م
প্রকাশনার স্থান
المملكة العربية السعودية
জনগুলি
المجلد الأول
مقدمة
...
ترجمة وافية ومستوعبة للإمام الترمذي "رحمه الله تعالى" تشمل:
اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته، ومولده، ونشأته، وطلبه للعلم، ورحلته، وصفاته الخلقية والخلقية، وشيوخه، وتلاميذه، وصلته بالإمام البخاري، ومكانته العلمية، وثناء الأئمة عليه، وآثاره، ووفاته.
نبذة يسيرة ومختصرة عن حياة الإمام البخاري "رحمه الله تعالى".
1 / 8
المقدِّمَة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
_________
١ النساء: ١
٢ الأحزاب: ٧٠، ٧
1 / 12
أما بعد/
فإنه يسرني –وقد تهيأت لي المناسبة- أن أقدّم –في مجال السنة النبوية- هذا الجهد المتواضع الذي أرجو أن يفسح له من القارئ الكريم محل وأن يصادف لديه قبولا.
كما يسرني شرف الانتساب إلى خدمة السنّة المطهّرة وأن أسلك في عداد من أتيحت له فرصة الاتصال بها والاطلاع على بعض جوانبها المشرقة، والتمتع بشيء من أنفاسها العطرة، والارتشاف من معينها الصافي.
وإني إذ أحمد الله ﷾ وأشكره على ذلك ليسعدني أن أبدأ فأقدّم للقارئ العزيز:
فكرة موجزة عن موضوع هذه الرسالة مع ذكر أسباب اختياره ومنهج البحث فيه.
كلمة في علم علل الحديث تبحث في:
أهميته، ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة لغة واصطلاحًا، وتعريف الحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك، والطرق الموصلة إليها، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث، مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم.
المؤلفات التي على هذا النمط "السؤالات والأجوبة عليها، في علم الحديث، الموجود منها والمفقود، مع تعريف موجز لكل من السائل والمجيب".
1 / 13
فكرة موجزة عن موضوع الرسالة
ربما يظن البعض أو يتصور من عنوان هذه الرسالة أنها مخطوطة، وللبيان فإنها ليست كذلك؛ إذ أن موضوع هذه الرسالة أحاديث في "جامع الترمذي" أدار الترمذي حولها سؤالات وجهها لشيخه البخاري ونقل إجابته عليها، وقد قمت بادئ ذي بدء بتتبعها والتقاطها من "جامع الترمذي" ومن ثَمّ جمعها وترتيبها والاشتغال فيها، حتى برزت بهذا الشكل، وهذه الصورة التي نرى.
والحقيقة: أن الله ﷿ هو الذي هداني إلى هذا الموضوع فلم يكن لي سابق علم به وبمضمونه، وما يحمله من مشاق وصعاب، ولم يذكره لي أحد، كما لم أر من نصّ عليه، أو ساقه ضمن مؤلفات الترمذي.
هذا والتزامًا مني بالسير على منهج البحث العلمي الصحيح؛ وأملا في الوصول إلى غاية منشودة ونتيجة حاسمة –حيث أخذت على عاتقي الكتابة في هذا الموضوع- قمت –فيما بعد- بالتأكد والتثبت فيما إذا كان هناك شيء مؤلف بهذا اللقب١ للإمام الترمذي أو لأحد غيره، فسألت بعض ذوي الاختصاص ولكن كانت الإجابة بنفي العلم وعدم الاطلاع.
_________
١ "سؤالات الترمذي للبخاري".
1 / 15
كما أني فتشت ونقبت في المظان من فهارس المخطوطات وفهارس كتب السنة ومعاجم المطبوعات، مما قُدِّر لي الاطلاع عليه لعل وعسى إلا أنني لم أقف على ذكر لذلك أو خبر، ومعنى هذا سيظل الباب مفتوحًا حتى نحصل على شيء بهذا الصدد.
وكتتمة لما سبق البدء به فإنه رغم ما شغلته هذه السؤالات وأجوبتها من مواضع في "جامع الترمذي" تربو على الثلاثين موضعًا لم يكتب لها من نبه عليها بخصوصها بصريح العبارة، هذا ما لم يقع لي الظفر به حتى هذه اللحظة.
فلعلها ضاعت في زحمة الأقوال التي يزخر بها الجامع ويشتمل عليها فلم تبرز ككل.
أو أن لتباعدها وتناثرها موزعة هنا وهناك على طول وعرض الكتاب أثره الفعّال في عدم تبيين معالمها وتمييزها وإعطاء الذهن تنبيها عنها.
نعم نوه الترمذي عنها وأشار إليها ضمنًا فلم يقتصر على إيرادها فحسب وذلك حين قال في كتابه "العلل الصغير"١ الذي في آخر "الجامع":
_________
١ /٥٧ بشرح الحافظ ابن رجب الحنبلي.
1 / 16
"وما كان فيه –يعني الجامع- من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب "التاريخ١" وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة وأكثر ذلك عن محمد وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة" اه.
فإذا كان للترمذي أن يثبت رأي البخاري مثلا الذي جاء نتيجة المناظرة معه مجردًا من أي دلالة على ذلك، فإنه لا أصدق ولا أدلّ على المناظرة من هذه الأسئلة والأجوبة إذ المناظرة في الأصل المحاورة والمناقشة والمباحثة والمذاكرة وهذا ما تمثله هذه الأسئلة والأجوبة وتصوره تصويرًا ظاهرًا وحيًا.
فلا يبقى إلا أن نهتدي من خلال كلام الترمذي ذلك إلى هذه الأسئلة والأجوبة التي يحويها "الجامع".
وإذا كنا بصدد إعطاء فكرة موجزة عن مختلف محتويات الأسئلة والأجوبة موضوع هذه الرسالة، فإنه بعد استعراض السؤالات وتقليب النظر فيها أمكن توزيعها على النحو الآتي:
القسم الأول: "أسئلة تختص بالرواة" وهي على أنواع:-
النوع الأوّل: يتعلق بطلب الكشف عن بعض الرواة ومعرفة
_________
١ المراد به "التاريخ الكبير" للبخاري انظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب/٥٨.
1 / 17
أسمائهم، كأن يكون الراوي المسئول عنه مبهمًا كما في الحديث الرابع والحديث التاسع والعشرين، أو مذكورًا بكنية ونسبته، كما في الحديث السابع والثامن.
النوع الثاني: يتعلق بمعرفة سماع بعض الرواة من بعض أو عدمه مما يتوقف عليه اتصال الحديث أو انقطاعه. وهذا كما في الحديث الخامس والحديث الحادي والثلاثين.
النوع الثالث: يتصل بمعرفة أحوال بعض الرواة جرحًا وتعديلًا (علم ميزان الرجال) . وهذا كما في الحديث التاسع والحديث السادس والعشرين والحديث الأخير.
القسم الثاني: "أسئلة حول الصناعة الحديثيّة" وهي على نوعين:
النوع الأوّل: يتناول ناحية معينة في الحديث بغية الوصول إلى إيجاد حل ومخرج لها.
وذلك كأن يكون الحديث مختلفًا فيه فيلتمس ما يرفع الاختلاف ويزيله.
وهذا كما في الأحاديث الأول والثاني والحادي عشر والثاني عشر والثامن عشر.
أو أن يكون الحديث ورد متصلا ومرسلا والهدف الوقوف على الراجح والصحيح من ذلك. وهذا كما في الحديث السادس.
1 / 18
النوع الثاني: على العكس من سابقه، ويمثل غالبية الأسئلة؛ إذ لا يحدد طلبا معينًا في الحديث، فنجد الترمذي يطلق السؤال عن حكم الحديث عمومًا، فيقول مثلا: "وسألت محمدًا عن هذا الحديث".
هذا وأما بالنسبة للأجوبة فإنها تتسم بالدقة والعمق والإيجاز الشديد الذي يعرف به البخاري، مما يحتاج معه إلى تأمل طويل، وتدبر قوي على أنها أحيانًا اقتصرت على التلويح دون التصريح، كما هي عادة البخاري، قال المعلمي في مقدمة تحقيقه لكتاب "موضح أوهام الجمع والتفريق"١ للخطيب البغدادي: "وللبخاري ﵀ ولع بالاجتراء بالتلويح عن التصريح كما جرى عليه في مواضع من "جامعه الصحيح" حرصًا منه على رياضة الطالب، واجتذابًا له إلى التنبيه، والتيقظ، والتفهم".
والحقيقة أن ذلك أتعبني جدًا، وأخذ مني جهدًا عظيمًا ووقتًا كبيرًا في فهمها، وفي معرفتها، وحلها، ومن ثَمّ بسطها، والكشف عن مراميها.
ولا أذيع سرًا إذا قلت: إن البخاري كان موفقًا جدًا في إجاباته، وعلى جانب عظيم من الورع، والتواضع، والحيطة،
_________
١ /١٤.
1 / 19
والتحري، والتحفظ بعيدًا عن المجازفة والإسفاف في القول، والتهور والتسرع في إصدار الأحكام، مما يفيدنا نحن في التريث والتثبت حينما نريد أن نُقْدِم على إصدار حكم، أو إعطاء إجابة على شيء ما.
وليس هذا غريبًا على البخاري المعروف بسداد الرأي، وقوة العلم، وخدمة السنّة النبويّة، لا سيما وهو في مستوى العالم العامل المجرب الذي منحه الله نفاذًا في البصر، ونورًا في البصيرة.
فمن أجل ذلك تراه يجيب في بعض الأحيان بالاحتمال أو التخمين من غير قطع أو جزم، فيقول: يحتمل كذا، وأرى كذا.
كما تراه يقف على بعض السؤالات ولا يتعاظم أن يقول بملء فيه: لا أدري عن كذا، أولا أعرف ذا، من غير أن ينقص ذلك من معارفه الواسعة أو يمس مقداره، وهذا هو شأن كثير من كبار المحدثين، فإنهم لم يدعوا الإحاطة والمعرفة بكل شيء، مما يعطي انطباعًا حسنًا عن حال سلفنا الصالح في عدم تحمل الإجابة والإقدام عليها بغير علم، "وإنهم يريدون بعلمهم وجه الله تعالى؛ فإن من يريد غير وجه الله
1 / 20
بعلمه لا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه لا يدري"١
ولا ريب أن هذا يزيدنا تعلقًا بهم، واطمئنانًا إلى أحكامهم، ووثوقًا بها، وأنهم بحق حماة الشريعة والقائمون عليها، الذين اختارهم الله للذود عنها، والذب عن كيانها.
ونحن إذا استعرضنا إجابات البخاري نجدها قد أغنت الرسالة بدسامة مادتها وأصالة جوهرها، وأمدت البحث بأشياء كثيرة فكشفت لنا عن أمور في غاية الأهمية اعتمد عليها البحث إلى حد بعيد، بل اعتمدت عليها كثير من المصادر الحديثيّة، كما ساعدت على حل بعض المشكلات العلمية إلى البت والجزم في بعض القضايا الحديثيّة، ولم تخل من إبداء آراء لها قيمتها وإضافة معلومات جديدة وضرورية يحتاج إليها المقام، وبدونها يبقى فراغ.
فمن ذلك أنها أوقفتنا على مكانة بعض رجال الحديث جرحًا وتعديلا مما يترتب عليه قبول الحديث أورده.
كما تناولت بالمقارنة والترجيح بعض الرواة الضعفاء، مما يفيدنا عند المعارضة.
_________
١ انظر: "إحياء علوم الدين" ١/٢٧ و"حياة الحيوان الكبرى" /٣١٨
1 / 21
وعن لقيا الرواة وسماع بعضهم من بعض، فقد ساهمت باطلاعنا على جانب من ذلك، فعرفتنا الثابت منه وغير الثابت، مما يكشف لنا عن اتصال الحديث أو انقطاعه.
كما أوضحت أسماء رواة ذكروا بكناهم أو العكس.
وفيما يختص بالأحاديث والكلام عليها وبيان حالها، فقد اعتنت بذكر درجات بعض الأحاديث من الصحة أو الحسن كما حكمت على بعضها بالضعف أو النكارة.
وفي التعرف على مسلك البخاري الذي سلكه في هذه الأجوبة في تصحيح الأحاديث وتضعيفها.
فإنه أحيانًا يعل الحديث بذكر طريق أخرى راجحة، تدل على موضع العلة في ذلك الحديث، وذلك كما في الحديث الثالث، والحديث الثالث عشر، والحديث السادس عشر.
وقد يعل الحديث المرفوع بالوقف؛ بأن يرويه موقوفًا، وأحيانًا يكتفي بإعلاله بذلك من غير أن يسوق الطريق إلى الموقوف عليه، كما في الحديث السابع عشر والعشرين.
وفي مجال المقارنة النقديّة بين الروايات فإنه أحيانًا يرجح رواية على أخرى مصرحًا بصحة الرواية الراجحة، وصوابها
1 / 22
وخطأ وغلط الرواية المرجوحة، وأحيانًا يكتفي في ذلك كله بالإشارة والتلميح، وهذا كما في الحديث الثاني عشر، والثاني والعشرين، والخامس والعشرين، والثاني والثلاثين. ويحصل أنه يجزم بترجيح رواية على روايات أخرى، ثم يعمد إلى محاولة يجمع فيها بين تلك الروايات كلها باحتمال يذكره، كما في الحديث الثامن عشر.
وقد يعل الحديث بالإرسال، معينًا من وقع منه الخطأ باتصاله ورفعه، كما في الحديث التاسع عشر.
وفي الاختلاف بين الوصل والانقطاع، فإنه يبين الراجح والصواب في ذلك مصحوبًا بالدليل، وهذا كما في الحديث السادس.
1 / 23
اختيار الموضوع إذا كان كثير ممن يكتب في الرسائل الجامعية اعتاد أن يعطي في المقدمة جواب سؤال تقليدي وهو: "ما الداعي لاختيار هذا الموضوع؟ "
فإن سبب اختياري لهذا الموضوع: "سؤالات الترمذي للبخاري" والتصدي له بالكتابة والبحث فيه يتبدى في النقاط التالية:
أولًا: هو أنني رأيت أنه أولى الموضوعات التي فكرت فيها؛ لما يحمله من طابع الجدة حسب اعتقادي، وموطن الجدة فيه يكمن في حصر أسئلة الترمذي المتفرقة في "جامعه" وأجوبة شيخه البخاري عليها في مكان واحد ولأول مرة؛ إذ لم يسبق –فيما أعلم- أنها جمعت في مؤلف مستقل؛ ليتسنى للمطالع الوقوف عليها ككل، وبالتالي الرجوع إلى شيء منها وقت الحاجة.
وقبل هذا وذاك فإنه يمكن بعد تبين أمرها ألاّ تعدم مشتغلا في جانب منها آخر يراه ضروريًا وتدعو إليه الحاجة.
ولا يكفي وجودها مبثوثة في "جامع الترمذي"؛ لأن ذلك –في نظري- لا يؤلف وحدة متكاملة لها، كما لا استبعد أن مجيئها على ذلك النحو سبَّبَ ويسبِّبُ عدم التنبه لها.
1 / 26
ثانيًا: ما يراودني من الأمل في أن تقف هذه السؤالات وأجوبتها بجانب أخواتها آخذة مكانها الذي ينتظرها تذكر إذا ذكرت، فإنه آن الأوان لتبرز مستقلة تضارع مثيلاتها.
ولا شك أن نزع تلك السؤالات والأجوبة عليها من جامع الترمذي فكرة ضرورية، لا سيما أنها لإمام المحدثين، وأمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله البخاري، وتلميذه الترمذي.
وكم يصعب على النفس أن تذكر المؤلفات المماثلة ولا تجد بينها سؤالات الترمذي ورد شيخه البخاري عليها.
ثالثًا: ما يتسم به هذا الموضوع –في نظري- من طرافة، وما يحمله من مفاجآت علمية، وقضايا حديثيّة مهمة، سواء في الأسئلة أو في الأجوبة.
وحقًا إن موضوعًا كهذا قائم على الحوار، وعلى شبه المجاذبة والمناظرة بين طرفين لا بد من أن يستميل النفوس ويحظى بإقبالها عليه.
وأينا لا يستهويه أسلوب الحوار وهو أسلوب شيق، ومحبب إلى النفس يطرد الملل، ويدفع السأم، ويربط الذهن بدورة منتظمة، ويجعله أكثر تفتحًا وتجاوبًا.
وإنك لتجد هذا التفاعل واضحًا هنا في ترقب كيفية سؤال
1 / 27
الترمذي، وفي ترقب الجواب عنه، وفي تصور هذه الحركة الفكرية العلمية بين هذين الإمامين إذ يتقدم أحدهما من الآخر، ولا يضيره أن يخرج بمخرج التلميذ والمستفيد، ويجيبه الآخر ولا يتوانى في إفادته، والرد على استفساراته.
والحق يقال إن الترمذي بإثارته هذه الأسئلة شد انتباهنا وحرك أذهاننا وأكسبنا متابعته في كل الأحاديث التي سأل عنها، وأشركنا معه، وكأننا حاضرون نسمع سؤاله ونصغي جميعًا باحترام لجواب شيخه البخاري عليه.
رابعًا: أن هذا الموضوع يلتقي مع رغبة المشرف السابق فضيلة الدكتور محمد أمين المصري "رحمة الله تعالى" فإنه كان يوجه أنظارنا أثناء الدراسة التمهيدية إلى بذل الاعتناء بالسنن الأربعة أبي داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، والانصراف إلى خدمتها وإعطائها الأولوية في الاشتغال بها لحاجتها.
لذلك وجدتني مقبلا عليه مائلا إليه لأنه يمثل جزءًا من العمل في "سنن الترمذي" وهو جزء –كما يبدو لي- مهم.
كل ذلك وغيره مما لم أذكره شجعني على الإقدام على هذا الموضوع والسير فيه، وشدني للمساهمة، وبذل الجهد والوقت واستفراغ الوسع؛ شعورًا بالمسؤولية، وخدمة للعلم، وسدًا لباب وقفت عليه، وتقديرًا لهذين الرجلين
1 / 28
البخاري، والترمذي، واعترافًا بفضلهما وما قدماه لأمة محمد ﷺ.
وعلى الرغم من صعوبته التي لا تخفى فإنه في "علل الحديث" أدقّ علم وأعوصه، الذي لا يجيده إلا الأفذاذ من العلماء الحفاظ ذوي الفهم الثاقب والنظر النافذ. ولا أدل على ذلك من إدخال المصنف معظم هذه الأحاديث في كتابه "العلل الكبير" وقد نبهت على هذا في مواضعه.
أضف إلى ذلك أن الترمذي إمام لا يَسْأل إلا عما هو مهم ومجدي، أو عما عسر عليه التوصل إلى البت في أمره، وأن البخاري شيخه الذي يتوجه بأسئلته إليه إمام أعظم منه، فلتوقفه في الإجابة وزن، ولمخالفته غيره في الرأي شأن، ولإجابته المحتملة سر.
فكون الموضوع في علل الحديث، وكونه يعزى للإمامين الكبيرين البخاري، والترمذي المعروفين بثقلهما في ميدان الحديث وعلومه، فهذا كله مؤذن بقوّته وصلابته وقيمته والله المستعان.
1 / 29
كلمة في علل الحديث
لما كان موضوع هذه الرسالة أو معظمه في علل الحديث، رأيت تخصيص الكلمة الآتية للتحدث عن أهمية علم علل الحديث ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة، والحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك؟ والطرق الموصلة إليها مما أرشد إليه النقاد، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم.
وذلك ليتمكن القارئ الكريم من متابعة بحوث هذه الرسالة بشكل جيد ومرضي، وليكون على ذكرى من هذا العلم العملاق والخطير، وما قام به أسلافنا الصالحون -رحمهم الله تعالى- من مجهودات ضخمة وعظيمة في هذا المضمار تفوق التصور والوصف، فيكفي أن نعلم أن الواحد منهم كان يقطع الفيافي والقفار –مع قلة الإمكانات وصعوبة وسائل المواصلات- ويسير المراحل الطويلة الواسعة ينتقل من مكان إلى مكان من أجل تصحيح حديث أو تضعيفه، وهذا بالفعل ما حصل لشعبة بن الحجاج ﵀ حين رحل من الكوفة إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم إلى البصرة يتتبع حديثًا واحدًا فقط هو حديث عقبة بن عامر: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجدًا فصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له". يريد
1 / 33
أن يتثبت منه ويقف على حقيقته، وقد تم له ذلك١
فتأمل إلى أي مدى وصل بهم الجهد والحرص والحدب على سنة النبي ﷺ والعناية بها، حتى أنهم أوقفوا حياتهم عليها، فاستحقوا أن يكونوا أمناء الله في أرضه، وأن يتناولهم الحديث المرفوع الذي يقول: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته"٢.
وما ذلك إلا مثل واحد من عشرات بل مئات الأمثلة، فإذا شئت أن تقف عليها أو على بعضها فما عليك إلا أن تدنو من سير القوم وتنظر فيها، وهي مدونة –ولله الحمد- في كثير من كتب التراجم التي حفلت بهم؛ لترى العجب العجاب من مزايا ومحاسن وجهاد أولئك القوم مما يبعث على الاعتزاز والاقتداء بهم، والاعتراف بتقصيرنا وتأخرنا الشديد في عدم اللحوق بركابهم، فضلا عن الوصول إلى ما وصلوا إليه مع توفر كافة الإمكانات، وتيسير سبل العلم، وما هذا إلا بسبب فساد نياتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
_________
١ انظر: "تقدمة الجرح والتعديل"/١٦٧ و"الكفاية"/٥١٦-٥١٧ و"ميزان الاعتدال" ٢/٢٨٣-٤٦١ و"فتح المغيث" ١/١٧٣.
٢ سنن ابن ماجه المقدمة ١/٥ حديث رقم ٨.
1 / 34
علم علل الحديث
لا تنكر أهمية هذا العلم، ومكانته من علوم الحديث، فهو يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، إذ هو أعظمها وأرفعها، به يتميز صحيح السنة من سقيمها، وسليمها من معلولها، وقويها من ضعيفها ومقبولها من مردودها.
وقد اهتم به العلماء اهتمًا بالغًا وكبيرًا حتى روى ابن أبي حاتم١ بإسناده إلى ابن مهدي أنه قال:
"لأن أعرف علة حديث واحد هو عندي أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثًا ليست عندي".
ولدقة مسلك هذا الفن وصعوبته وغموضه واعتماده على يقظة وفطنة، ومهارة ومجالسة ومذاكرة،وخبرة قوية، وذكاء متوقد، وممارسة ودربة طويلة، فإنه خفي على كثير من علماء الحديث ولم يتمكن منه ويخض غماره إلا نفر قليل من أكابر علماء هذا الشأن ذوي الاختصاص، ممن وهبه الله فهمًا ثاقبًا، ونظرًا فاحصًا، وحفظًا واسعًا، واطلاعًا حاويا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة واعية بالأسانيد والمتون، كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي
_________
١ علل الحديث ١/٩ وانظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم/١١٢ و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/١٧٥ و"تدريب الراوي"/١٦١
1 / 35
حاتم، وأبي زرعة الرازيين، والترمذي، وابن عدي، والدارقطني. وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين من أساطين هذا العلم والماهرين فيه الجهابذة، أهل النقد الذين أفنوا أعمارهم في خدمة السنة والاشتغال في علومها.
فلا تنكر جهود هؤلاء العلماء الأفذاذ التي بذلوها في حياطة الحديث وحراسة أسانيده، كما لا ينكر مدى حرصهم على تقويمه، ومبلغ عنايتهم في تنحية ما علق به من دخل وخلل أو وهم وخطأ وتنقية ما يشوب صفاءه من كدر، وأباطيل وترهات، وآفات.
فبينوا –رحمهم الله تعالى- علل أحاديث كثيرة ومحصوها، وحققوا القول فيها؛ أداء للأمانة، ونصحًا للمسلمين، وحفظًا لسنة النبي ﷺ، وصيانة لها، ودفاعًا عنها.
وفي هذا حماية للشريعة؛ فإن السنة صنو القرآن مبينة له وشارحة له.
وأن آثارهم العظيمة التي خلفوها شاهدة لهم بذلك، ودالة على دقة منهجهم وسلامته، وشدة بحثهم وقوة ضبطهم، واحتياطهم وتحريهم.
1 / 36