قلت وقد ازدادت حيرتي: وأين جرى له هذا؟
قال كأنه لم يسمعني: في جوف الحوت طبعا!
ولم أفهم عن أي شيء يتكلم، فرأيت من الخير أن أسكت، وزادت مخاوفي وأنا أراه يقترب من السرير، ويشخط في كأنه يوقظ ميتا: عار عليك ألا تعرف!
بلعت ريقي وأخذت أفتش في رأسي عن كلمة أهدئه بها، وأعتذر له بأنني رجل غريب، ولا أعرف عن الموضوع شيئا، لكنني اطمأننت قليلا حين رأيته يدور على نفسه، ويسير خطوات في الحجرة ثم يقف في وسطها تماما، ويشبك ذراعيه حول صدره ويحك ذقنه بيده، ثم يخطب قائلا: الحقيقة أن الآراء مختلفة في هذه المسألة، مختلفة كل الاختلاف حتى إنني أعذرك إذا اكتشفت أنها متعارضة مع بعضها، هناك من يقولون مثلا: إن يونس بعد أن يئس من أهل نينوى سار إلى شاطئ البحر، وهناك من يقولون أيضا: إن الله هو الذي طرده بنفسه من المدينة العظيمة، وعلى كل حال، فقد كان من رأيه أنه فشل في مهمته، وأنه لم يعد هناك مبرر لحياته على الإطلاق، تستطيع أيضا أن تقول إنه كان خجلا من أن يراه الله على هذه الحالة، ولم يعرف أين يداري وجهه من الخجل، وبينما كان يرسل بصره على البحر، رأى جسما أبيض هائلا يطفو على سطح الماء من بعيد.
كان يمكن أن يظنه سفينة لولا أنه رآه يغطس بعد قليل، فأدرك بخبرته الطويلة بالحياة في شواطئ البحار أنه حوت عظيم، وتمنى من قلبه لو اقترب الحوت منه وفتح فمه وابتلعه، وانتهز فرصة وجود سفينة على الشاطئ، كان ملاحوها يستعدون لرحلة صيد، فركب معهم، وعندما توسطت بهم السفينة البحر، ورأوا الحوت مقبلا عليهم، والسفينة تهتز كالريشة على سطح الماء وجد يونس الفرصة سانحة لتحقيق أمنيته، فقفز من السفينة إلى الماء، وكان الحوت ساعتها فاتحا فمه الرهيب، فأسرع يونس فقذف بنفسه فيه.
قلت لأؤكد أنني أتابع الكلام وأمنع شرا يمكن أن يلحق بي في كل لحظة: هل تقول سعادتك إنه قذف بنفسه داخل الحوت؟
فقال في حماس الأطفال: عليك نور، تماما كما تقول.
والآراء تختلف هنا أيضا فيما فعله في جوف الحوت.
ماذا تظن أنه فعل هناك؟
قلت وأنا أكتم الضحك: وماذا يستطيع أن يفعل يا سيدي؟
অজানা পৃষ্ঠা