أما الصفة التي تلازم ذلك الشطر من الفكر فكونه فرديا ذاتيا، في حين أن العلم مهما كانت صبغته ومهما كان أصله عام موضوعي - أي غير ذاتي - يرجع إلى الموضوع لا إلى الذات التي تفكر في الموضوع وتفحص عنه. فإذا مثلت الفكر بشيء ذي طرفين متناظرين، ألفيت أن العلم الرياضي في أحد طرفي الفكر، وأن الدين في الطرف الآخر، وتجد أن التجانس والاتفاق في الطرف الأول صفة ملازمة كالاختلاف في الطرف الثاني. تلحظ أن وحدة الفكر صفة ثابتة في الطرف الأول، في حين أنك لن تقع لها على ظل في الطرف الثاني. إن وحدة الفكر لم تعرف في الدين ولن تعرف.
فيما بين هذين الطرفين تقع على مسافة كبيرة من الخلف تصل بينهما. إن هذه المسافة يغشاها من الفكر صورة تصل بين الطرفين، فتبرز حينا في هيكل من المعرفة وآخر في مثال من الإيمان، فيختلط فيها قليل من الأشياء المحققة بكثير من الإيمان والاعتقاد المبهم، تلك المسافة الكبيرة وهذه المفازة المترامية الأطراف، والتي تتوارد عليها صور التغاير والاختلاف سريعة متعاقبة، هي سكن الفلسفة الحقيقي ومنبتها الأصلي، الفلسفة التي تتناول الحقائق ولا تأنف من الإيمان. الفلسفة أصل المعرفة ومنبع المعتقدات واليقين. الفلسفة حلقة الوصل بين الطرفين المتناظرين: طرف العلم الإثباتي وطرف الدين. (5) استعمال اصطلاح «العلم» استعمالا مجازيا
بعد أن قطعنا هذا الشوط من البحث، يجب علينا أن نبين أن اصطلاح العلم كثيرا ما يستعمل مجازيا، فيدل على المعرفة، فإن الغالب عند كل من يحاول أن يعرف شيئا من حقائق الكون، أو قضايا المنطق الجدلية، أو القياس، أو أصول الدين، أو التشريع أو النفس أو الأدب، أن يسمي هذا «علما». والكل معذور في أن يستعمل هذا الاصطلاح في هذا المعنى المجازي الواسع؛ لأن كل ما وصل إلينا من مذاهب الفلسفة أو مبادئ العلوم أو أصول الشرائع من العالم القديم سمي علما؛ ذلك لأن تقسيم المعرفة على مقتضى كفايات العقل الإنساني وليد العصور الحديثة؛ ولهذا تجد من أصعب الأشياء أن تناقش شخصا لم تتحيز في عقليته الفروق الموضوعة بين أقسام المعرفة على مقتضى الكفايات التي تستمد منها في تكوين العقل؛ ذلك لأنه يعتقد أن الدين علم، وأن الفلسفة علم، وأن العلم علم، في حين أن الاصطلاح الجامع لهذه الصور الثلاث هو «المعرفة».
فالدين معرفة، والفلسفة معرفة، والعلم معرفة، ومن مجموعها تتكون المعارف الإنسانية. ولا جرم أننا من غير أن نميز بين الفروق الموضوعة بين هذه الصور نضرب في ليل من الفوضى حالك السواد؛ لهذا نحدد صور المعرفة بما يأتي: (1)
الدين
Religion - اعتقاد
Belief - ذاتي
Subjective . (2)
الفلسفة
- تأمل
অজানা পৃষ্ঠা