وبعد أن يستطرد العلامة «وايت» في وصف كيفية الخلق والمادة التي خلق منها، يعود إلى الكلام في الخلاف على الزمان الذي خلق فيه العالم فيقول:
إن سلسلة الجهود الطويلة التي بذلها رجال خصوا بأوسع المدارك وأرجح الأحلام من إيوسيبيوس إلى يوشر، في سبيل تحديد التاريخ الذي وقع فيه الخلق، قد تركت الكلام فيه لفصل آخر،
2
ويكفي هنا أن نذكر أن النتيجة الأخيرة التي وصلت إليها الأغلبية العظمى ممن يعتبرون من أقدر الذين أكبوا على درس الأقوال التي جاءت في الكتاب المقدس، قد أسلمت إلى القول بأن الخلق قد وقع في زمان تعد سنوه بعدد عشري، ويقع حوالي سنة 4000ق.م.
وفي القرن السابع عشر ذكر الدكتور «جون ليتفوت» - وكيل جامعة كمبردج ومن أشهر من نبغ ممن درسوا العبرانيات - أن نتيجة أبحاثه القصية المستفيضة في التوراة والإنجيل قد أدت به إلى حقيقة أن «السماء والأرض، والمحيط والمركز قد خلقن معا، وفي وقت واحد؛ حيث كان الغمام الكثيف مملوءا بالماء، وأن هذا العمل قد وقع، وأن الإنسان قد خلق بقدرة الثالوث الأقدس، في 23 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد؛ حيث كانت الساعة التاسعة من الصباح.»
وكان هذا انتصارا لأسلوب «لاكتانتيوس»، وهو نتيجة الدرس العميق في الإنجيل والتوراة مئات من السنين. وغاية لجهد الفكرة اللاهوتية منذ أن ظهر «بيده» في القرن الثامن إلى زمان «فنسنت بوفييه»؛ حيث أعلن في القرن الثالث عشر أن الخلق لا بد من أن يكون قد وقع في فصل الربيع. لكن وا أسفاه! فإنه لم يمض قرنان على ما بذل دكتور «ليتفوت» من جهد في درس العبارات المنزلة ليستخلص منها حقائق يحدد بها ساعة الخلق وتاريخه، حتى استكشف الباحثون أنه في تلك الساعة التي حددها هذا اللاهوتي، كانت أمة من أرقى الأمم مدنية وأمثلهن تهذيبا، رافلة في أبهى حلة خلعتها الحضارات على الأمم في الأزمان القديمة، بل كانت منذ عهد عهيد تجوب أنحاء العواصم المشيدة في مصر على ضفاف النيل، وأن أمما أخرى لا تكاد تقل عن هذه مدنية وعلما، قد بلغن درجة خطيرة من النشوء والارتقاء تحت سماء آسيا.
هذا ملخص أولي من رأي الباحثين في أصل الروايات المقدسة ، على أن علم مقارنة الأديان قد زودنا بالكثير من دقائق الشبه الواقعة بين كثير من الروايات المتناثرة في الكتب الدينية؛ لهذا نعمد إلى المقارنة بين الروايات الثلاث التي نعثر عليها في القرآن والتوراة وألواح بابل وآشور خاصة بسيرة نوح؛ لنستخلص من هذه المقارنة قاعدة نبني عليها حكما صحيحا في أصل هذه الروايات ومنشئها. ويحسن بنا أن ننقل هذه الروايات كما أثبتت في القرآن والتوراة، ونترجم ما يختص بها في ألواح بابل، ثم نمضي بعد ذلك في المقارنة العلمية. (1) الطوفان في القرآن
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين * أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم * فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون * ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون * ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين * قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون * أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون * وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون * واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم * حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل * وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم * وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين * وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين * ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين * قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم * تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين (هود).
إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم * قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون * يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون * قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا * ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا * والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا * والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا * قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا * ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا * وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا * مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا * وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا * رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا (نوح).
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين (العنكبوت).
অজানা পৃষ্ঠা