من فارس يجندل الرجال
ويطرح القوم على الرمال
بصارم يلمع كالهلال
فلما سمعت المياسة شعر المقداد أخرجت رأسها من الهودج ونظرت شدقم يحرض أصحابه على القتال، فالتفت إليه المقداد وضربه ضربة قسمه نصفين، فصاحت به المياسة دونك القوم، فلما سمع كلامها قال: الحرب تارة وتارة. ثم إن بني سنبس قال بعضهم لبعض ما تقول فينا العرب، فارس واحد يأخذ العروس ونحن ثلاثمائة رجل، فهذا الأمر لا يكون. فقال رجل منهم: يا مقداد الرأي عندي أن تخيرها، فإن اختارتك تمضي معك وإن اختارتنا تمضي معنا. فقال لهم المقداد: رضيت. فاجتمعوا حول الهودج وأقبل المقداد ونادى: يا مياسة إن اخترت غيري وضعت سيفي في بطني وأخرجته من ظهري ولا أراك عند أحد غيري. فلما سمعت كلامه قالت: يا قوم أرضيتم بما أقول؟ قالوا: نعم. فقالت: لو خيرتموني بمن في الأرض جميعا ما أريد إلا ابن عمي المقداد، فانجوا بأنفسكم سالمين. فلما سمعوا كلامها قال بعضهم لبعض: ما تشيرون به؟ هل تسلمون هذه الجارية لهذا الغلام؟ فقال: ومساس القوم عندي أن نحمل عليه حملة رجل واحد ونأخذ لحمه بأطراف الحديد وتحت حوافر الخيل. فقال الآخر: أنتم تكلمتم وأنا أريد أن أتكلم كلمة واحدة تخير المياسة مرة ثانية ولا تتكلم أنت كلمة واحدة. قال المقداد: رضيت بما قلتم.
قال الراوي: فدنوا من الهودج وقال: يا مياسة رضينا أن نخير مرة ثانية فاختاري من تختارين منا. فعند ذلك نظر المقداد إلى طرف الهودج وأنشد يقول:
لقد حكمت فينا يا ظعينا
فقولي ما تقولي وانصفينا
فإن شئت ممن تمضين معهم
فإني فيك مكمد حزينا
قال فلما سمعت كلامه نادت: يا مقداد، دونك القوم خذهم على أسفار الحديد وأطراف الرماح. فعند ذلك أقبل رجل من بني سنبس يقال له عوف بن عامر الزهري قال لهم: يا قوم، إن هذا الرجل قتل منا جماعة وجندل أبطالنا وهو أشجعنا وهو عاشق لها وهي كذلك، فلا يخطر في بالكم أنه يروح ويخليها تروح معكم، فاسمعوا كلامي فإني ناصح لكم ومشفق عليكم، فإن قبلتم مني فانصرفوا وانجوا منهم سالمين، فإن المياسة تهواه أكثر مما يهواها وهي ليس لها فيكم رغبة أبدا، فقالوا له: يا عوف، اسكت عن هذا الكلام ولا تحدث به، فما يقول عنا العربان في مجالسها والسادات في مراتبها بني مازن وسنبس، ويقولون أنهم كانوا أربعة آلاف فارس فانهزموا من فارس واحد، فوحق اللات والعزى ولا بد ما نرمي أرواحنا على الهلاك ولا نخلي المياسة تروح مع هذا البدوي يأخذها منا قهرا. فقال لهم عوف بن عامر الزهري: دونكم ما تختارون، فإني منعزل عنكم وعنه وسأنظر ما يكون منكم. قال: فعند ذلك حملوا على المقداد حملة منكرة، فالتقاهم بقلب أقوى من الصخر وأجرى من تيار البحر وأنشد يقول:
অজানা পৃষ্ঠা