أما دور التمهيد، فكانت بمحاضرات الثقافة العامة التي كان يشرف عليها يوميا رئيس الجامعة، وبإرسال بعثات علمية للجامعة بلغ عددها أربعة وعشرين للتخرج في العلوم، وليحضروا أنفسهم ليكونوا معلمين فيها.
وأما دور التمام، فكان بنقل الجامعة القديمة إلى الجامعة الجديدة على نحو ما وصفت في السطور السابقة، وقد بلغ عدد طلبة الجامعة في سنة 1928 ويوم تأسيس مبانيها 2341 طالبا، وقد تضاعف هذا العدد بعد ذلك حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن .
الفصل الرابع عشر
من الوزارة إلى المجمع اللغوي!
(1) كيف دخلت الوزارة
لما أسند الملك فؤاد الأول إلى محمد محمود باشا أمر تأليف الوزارة في يونيو سنة 1928 دعاني وقتئذ إلى الاشتراك معه في الحكم، فاعتذرت له؛ مؤثرا العمل كمدير للجامعة بعيدا عن السياسة ومشاكلها، فقال لي رحمه الله: وهل يرضيك يا صديقي أن تتركنى وحدي؟! فمست هذه العبارة شعوري، وقبلت الاشتراك معه في الوزارة، وكان من حظي أن أتولى وزارة المعارف، وهي الوزارة التي تتفق وميولي الشخصية وما أهدف إليه من خدمة الأمة عن طريق العلم والتربية والتعليم، طريق الحرية والاستقلال، فإن التعليم هو الأساس الذي يبنى عليه تحقيق الأطماع القومية، ولو أن العظمة القومية التي تبغيها مصر تنال بالجهل، وبتفكك الروابط القومية الدالة على عدم التربية، لكان ذنبا علينا أن نفكر في حال التعليم والأخلاق عندنا، ولا جدال في أن العلم ضروري لتقدمنا بل هو ضروري لحياتنا الحاضرة، وأنه هو السلاح الوحيد الصالح للانتصار في معترك الحياة للفرد، والعامل الوحيد للاكتشافات والاختراعات وقوام هذه المدنية الحديثة، كما أن تربية الأخلاق هي أساس قوة الأمم.
وقد قال جوستاف لوبون:
إن الرومانيين في زمن انحطاطهم كانوا أشد ذكاء من أجدادهم الأشداء، ولكنهم فقدوا الخواص الأخلاقية؛ كالصبر، والعزيمة، والثبات، والاستعداد لتضحية النفس في سبيل الغاية، والاحتفاظ باحترام القوانين، تلك الخواص الأخلاقية كانت هي سر عظمة آبائهم الأولين.
بعد ذلك أعود، فأقول: إن وزارة المعارف حين أسندت إلي ارتحت للعمل فيها، لما قدمت؛ فقد اهتممت أول ما اهتممت بتطبيق اللامركزية، وقسمنا العمل فيها باعتبار أن الوزير رجل سياسي، لا يشتغل إلا بالمشروعات الجديدة وتطبيق سياسة الوزارة، وليس له معرفة بموظفي الديوان، فأمرهم ينبغي أن يتعلق بوكيل الوزارة وشهادات المراقبين. (2) العودة للجامعة
لم أستمر طويلا في وزارة المعارف؛ لأن وزارة محمد محمود باشا لم يزد عمرها عن خمسة عشر شهرا وبضعة أيام؛ إذ تألفت في 25 يونيو سنة 1928 واستقالت في 2 أكتوبر سنة 1929 بعد عودة رئيسها من مفاوضاته بلندن مع مستر هندرسون، وقد اعتكفت بين كتبي وأوراقي حتى كانت أوائل سنة 1930 حين استدعيت للعودة مديرا للجامعة، فارتحت لاستئناف نشاطي بين أبنائي شباب الجامعة، وبين زملائي أساتذتها، واغتبطت كل الاغتباط؛ لأني أمضيت عهدا غير قصير في العمل الجامعي، وألفت هذه البيئة الجامعية التي تقوم على الإخلاص للعلم والتضحية في خدمته، والاستقلال في الرأي والفكر والعمل.
অজানা পৃষ্ঠা