في سنة 1919 نهضنا نطالب بالاستقلال التام، وقبل ذلك بزمن بعيد طلبناه ودعونا إليه؛ طلبناه على طرق متنوعة، وبصنوف مختلفة، طلبناه من فرنسا، ومن إنجلترا، ومن السلطة الشرعية، طلبناه بأقلام الكتاب، وبألسنة الزعماء.
طلبنا الاستقلال التام؛ لأن الحرية هي الغذاء الضروري لحياتنا، ولو كنا نعيش بالخبز والماء، لكانت عيشتنا راضية وفوق الراضية، ولكن غذاءنا الحقيقي الذي به نحيا، ومن أجله نحب الحياة ليس هو شبع البطون الجائعة، بل إرضاء العقول والقلوب، وعقولنا وقلوبنا لا ترضى إلا بالحرية.
إنا إذا طلبنا الحرية لا نطلب بها شيئا كثيرا، إنما نطلب ألا نموت، ولا يوجد مخلوق أقنع من الذي لا يطلب إلا الحياة ووسائل الحياة، كما أنه لا أحد أقل كرما من ذلك الذي يضن على الموجود الحي بأن يستوفي قسطه من الحياة.
لست أعجب من الذي يستهين بحياة الرجل، فيستعجل عليه القدر المحتوم، ولكني أعجب من الذي يبالغ في الرحمة بالإنسان فيريد له الحياة شبعان ريان معطل الحرية، قد ضرب بين عقله وبين الأشياء والمعاني بحجاب فلا يتناولها، وحيل بين مشاعره وبين موضوعات غذائها، فلا تتحرك بل تموت.
أعجب من الذي يظن الحياة شيئا والحرية شيئا آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية، هي المقوم الأول للحياة، ولا حياة إلا بالحرية.
أجل، إن المرء يحفظ حرية الفكر، وحرية المشاعر، أي يحفظ حرية الطبيعة حتى في غيابه في السجن، يحفظها في كل حال هو عليها ما دامت روحه في جسده، إنه خلق حرا، حر الإرادة، حر الاختيار بين الفعل والترك، حرا في كل شيء حتى في أن يعيش وفي أن يموت متى قدر له.
لا فائدة من حرية معطلة
إن هذه الحرية الطبيعية لا فائدة منها إذا تعطلت من آثارها، فالذي سجن، والذي منع الكلام، والذي منع الكتابة؛ كل أولئك يحفظون حريتهم في نفوسهم، ولكنهم فقدوا الانتفاع بها؛ أي فقدوا بذلك الحرية المدنية.
لا أريد بذلك أن أتصدى للتعريفات الاصطلاحية لأنواع الحرية، ولكن جرنا إليه التدليل على أن الحرية المعطلة عن الاستعمال هي في حكم المفقودة، وأن الحرية الطبيعية الملازمة للإنسان لا يصح أن تسمى حرية إلا إذا كان ميسرا له استعمالها، رأيت أن المرء يرى الطريق بعينيه المكتوفتين، لكن العين المعصوبة واليد الموثوقة كلتاهما في حكم المعدومة، إنما يكون المرء حرا بمقدار ما لديه من وسائل استعمال هذه الحرية، وإنما يكون حيا بمقدار ما حاز من الاستمتاع بالحرية، فالحرية الناقصة حياة ناقصة، وفقدان الحرية هو الموت؛ لأن الحرية هي معنى الحياة.
طبعنا على حب الكمال
অজানা পৃষ্ঠা