inductive )، وقد عني أرسطو بمنطق الصورة فقط، أما منطق المادة فلم يبحث ويبوب إلا في العصور الحديثة، وقد اخترع أرسطو منطق الصورة هذا وأكمله أيضا، فهو بذلك خلقه كاملا لم يزد عليه المتأخرون إلا قليلا، فما في أيدينا وأيدي الغربيين منه ليس إلا ما كتبه أرسطو تقريبا، فالمقولات العشر والكليات الخمس، والبحث في الألفاظ والقضايا والقياس وتحويل أشكال القياس إلى الشكل الأول، كل هذا بحثه أرسطو في منطقه وهو ما يبحث فيه الآن، ولم يزد المتأخرون إلا شيئين: «الأول» الشكل الرابع في القياس، فإن أرسطو لم يذكره، «والثاني» أنه لم يتكلم عن القياس الشرطي، وإنما قصر كلامه على القياس الحملي، وهذا شيء مشكوك في قيمته إلى الآن؛ لأن القياس الشرطي يمكن تحويله إلى القياس الحملي. أما ما عدا هذين فليس ما يكتب الآن إلا تكريرا لما قال أرسطو مع تغيير شكل التعبير أو الأمثلة، وكل ما يؤخذ عليه هو ما ذكرنا أنه أهمل منطق المادة تقريبا مع أنه أحق بالنظر.
ويسمى أرسطو بالمعلم الأول؛ لأنه أول معلم لعلم المنطق ولم يكن قبله علما. (2-2) ما بعد الطبيعة (ميتافيزيقا)
هذا الاسم وهو «ما بعد الطبيعة» لم يضعه أرسطو ولم يعرفه، وإنما كان يسمي هذا الموضوع «الفلسفة الأولى»، يعني بذلك أن هذا النوع من العلم هو المبادئ الأساسية العامة للعالم، وأن مبادئ كل فرع من فروع العلم ثانوية بالنسبة لها؛ لأن مبادئ كل فرع خاصة بذلك الفرع من العلوم، وأما مبادئ الفلسفة الأولى فأساسية لكل علم، وبعبارة أخرى هي أساس العالم جميعه، واسم «ما بعد الطبيعة» لم يطلق على هذا البحث إلا من نحو نصف قرن قبل الميلاد، لما نشر «أندرونيكوس»
Andronicus
كتب أرسطو، ففي هذه النشرة وضع البحث في «الفلسفة الأولى» بعد البحث في «الطبيعة» فسمى هذا البحث «ما بعد الطبيعة»، يعنون بذلك ما ورد ذكره بعد الكلام في الطبيعة، وهذا هو معنى «ميتفايزيقا»، وهذا حادث عرضي حدث اتفاقا.
نشأ بحث أرسطو فيما بعد الطبيعة من تحليله لنظرية أفلاطون في «المثل» وبيان ما فيها من أخطاء والرد عليها، وقد رد على هذه النظرية بجملة ردود، أهمها: (1)
أن نظرية المثل لأفلاطون لا توضح لنا مشكلة كيف نشأ هذا العالم مع أن هذه أهم مسألة في نظر الفلسفة، فإذا سلمنا بأن هناك مثالا للبياض مثلا، فكيف نشأت عنه الأشياء البيضاء؟ لا يمكننا أن نفهم هذا من كلام أفلاطون، ولا يمكننا أن نفهم العلاقة بين المثال وأشيائه، يقول إن هذه الأشياء صورة للمثال، وإن المثال «يشاركها في الوجود» ولكن هذه العبارة - كما يقول أرسطو - عبارة شعرية: لا توضح العلاقة، ولا تبين أساس الوجود. (2)
هب أن هذه الأشياء وضحت بنظرية المثال، فأفلاطون يرى أن المثل ثابتة على حال لا تتغير، وأنها ساكنة غير متحركة، وإذا كان كذلك فيجب أن تكون صورها - وهي الأشياء - كمثالها ثابتة ساكنة، ولكننا نرى العالم متغيرا متحركا، فالأشياء ترتقي وتنحط ولا تستقر على حال، فلم تتغير هذه الصورة مع أن أصلها - وهو المثل - ليست متغيرة؟ (3)
أن هذا الوجود مملوء بأشياء كثيرة، ومهمة الفلسفة أن تبين لنا كيف وجدت هذه الأشياء، ونظرية أفلاطون لا تبين لنا إلا أن وراء هذه الأشياء عالما آخر هو عالم المثل، وهذا الذي فعله أفلاطون ضاعف الموجودات ولم يعن على حلها بل زاد الارتباك في منشئها، فقال أرسطو: إن مثل أفلاطون في هذا كمثل شخص صعب عليه أن يعد كمية من الأشياء فضاعف عددها ليسهل عليه عدها. (4)
يرى أفلاطون أن المثل لا تدرك بالحس، والحق أنها تدرك بالحس، فهو في الحقيقة يأخذ الأشياء التي تدرك بالحس ويعممها ويسميها ثانية لا تحس، فلا فرق في الحقيقة بين الحصان ومثال الحصان والإنسان ومثال الإنسان إلا التخصيص والتعميم، وليست المثل إلا الأشياء المحسوسة مجردة، وقد شبه أرسطو ذلك بالآلهة المجسمة في بعض المذاهب الدينية «فكما أن الآلهة عندهم ليست إلا أناسي مؤلهة فكذلك المثل ليست إلا الأشياء الطبيعية أزلية مؤبدة»، ويقول أفلاطون إن الأشياء صورة من المثل، والحق بعد الذي شرحناه أن المثل صورة من الأشياء. (5)
অজানা পৃষ্ঠা