وللفيثاغوريين آراء فلكية قيمة ، منها: نقضهم للفكرة السائدة في ذلك الحين من أن الأرض مركز الكون؛ إذ قرروا أن الأرض كوكب من الكواكب التي تدور حول النار المركزية، وليست هذه النار المركزية هي الشمس؛ لأن الشمس نفسها تدور حولها، وقد كانوا بذلك أول من اتجه بالنظر الفلكي هذا الاتجاه الصحيح، الذي أدركه كوبرنيكس وسار به نحو الدقة العلمية شوطا بعيدا.
الفصل الثالث
الإيليون1
بدأت الفلسفة في يونيا - كما رأيت - طبيعية مادية، لا ترى إلا أجساما يطرأ عليها الكون والتحول والفناء، وتتعاورها الحركة والسكون، وانتقلت الفلسفة إلى جماعة الفيثاغوريين، فانتقلوا بها من تلك المرحلة المادية التي اعتمدت في الوصول إلى حقيقة الكون على الحواس وحدها وما تنقله إلى الذهن من صور، إلى مرحلة لا تقتصر على الحس والمادة، بل تعدوهما إلى الفكر المجرد، ولكن دفعة الفيثاغوريين لها في هذه السبيل كانت ضعيفة محدودة، إلى أن أتيحت لها هذه المدرسة الجديدة التي قامت في إيليا
Elea ، فدفعتها إلى الأمام دفعة قوية، وظفرت الفلسفة على أيديهم بقبس من الحقيقة المنشودة، «وهل الفلسفة منذ أول عهدها بالحياة حتى اليوم إلا مجهود واحد متصل الحلقات مرتبط المراحل، للكشف عن الحقيقة التي تتجرد من سترها شيئا فشيئا؟» ولن يزال الإنسان يواصل عناء البحث والتفكير، ولن تزال الحقيقة تبرز وتبدو وتزداد في الذهن جلاء ووضوحا. (1) إكزنوفنس
Xenophanes
سنة 570ق.م
ولد في كولوفون من أعمال يونيا، وقضى الشطر الأعظم من حياته ضاربا في مناكب الأرض، يطوف المدن وينشد فيها الشعر والغناء في المحافل والأعياد، ولم يزل يجول ويطوف وينشد ويغني حتى نيف على التسعين، ولا يقطع التاريخ إن كان ذهب إلى إيليا أو لا، ولكن أخذ عنه - من غير شك - رأس هذه المدرسة وهو «بارمنيدس» بعض آرائه، فمن أجل ذلك عد من المدرسة الإيلية.
أخذ إكزنوفنس ينتقل من بلد إلى بلد، يروي للناس قصائده الرائعة، في الرثاء تارة وفي الهجاء طورا، ولكنه بث في ثنايا أشعاره آراء في الدين والفلسفة، جاءت متناثرة كأنما هي عرض غير مقصود، وهو بالإصلاح الديني أشد صلة منه بالفلسفة، فقد هاجم اليونان في دينهم هجوما عنيفا زعزع العقائد وزلزل الآلهة التي اتخذها اليونان، والتي صوروها في الأساطير والأشعار القديمة في صورة البشر، فهي تمكر وتخدع وتسرق، وتغضب وترضى، وتبغض وتحب، فأخذ إكزنوفنس يسخر من هؤلاء الذين استباحت عقولهم أن تسيغ آلهة تولد وتموت وتضطرب مع البشر فيما يضطربون فيه، وينحو باللائمة المرة على «هومر» و«هزيود» اللذين ساقا في شعرهم تلك الصور الشائنة للآلهة،
2
অজানা পৃষ্ঠা