আধুনিক দর্শনের গল্প

জাকি নাজিব মাহমুদ d. 1414 AH
61

আধুনিক দর্শনের গল্প

قصة الفلسفة الحديثة

জনগুলি

Kant

لم يشهد تاريخ الفكر فلسفة بلغت من السيادة والسيطرة على الأفكار في عصر الأفكار في عصر من العصور ما بلغته فلسفة «عمانوئيل كانت» من النفوذ في القرن التاسع عشر، فلقد تمخض ذلك الفيلسوف بعد ستين عاما قضاها في النمو المتدرج الهادئ المعتزل، عن كتابه المشهور «نقد العقل الخالص» الذي يزلزل قوائم التفكير السائد، والذي لا يزال أثره قويا عميقا حتى اليوم، فلم تكن المذاهب الفلسفية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، والتي نادى بها شوبنهور وسبنسر ونيتشه، إلا موجات سطحية يتدفق تحتها تيار قوي مكين، هو تيار الفلسفة الكانتية الذي ما يزال يزداد عمقا واتساعا حتى يومنا هذا، فلقد سلم نيتشه بكل ما جاء به «كانت»، ثم أضاف عليه، كما أعجب شوبنهور بذلك الكتاب إعجابا شديدا، حتى قال عنه إنه أهم كتاب في الأدب الألماني، وعنده أن الرجل يظل طفلا حتى يفهم «كانت»! وما أجدرنا هنا أن نقتبس العبارة التي قالها «هجل » عن «سبينوزا»، فنقولها عن كانت: لكي تكون فيلسوفا فلا بد أن تدرس ما جاء به «كانت» أولا ... وإذن فما أحجانا أن نأخذ في دراسة هذا الفيلسوف دراسة متقنة دقيقة، ولكن حذار أن تعمد من فورك إلى كتب «كانت» فتنكب عليها بالقراءة والدرس، فإن فعلت هذا اختصارا للطريق، فما أنت ظافر بشيء؛ لأن الخط المستقيم في الفلسفة - كما هو في السياسة - أطول الطرق بين نقطتين، فإن أردت أن تقرأ «كانت»، فآخر ما يجب أن تقرأه هو «كانت» نفسه؛ لأنه لم يعمد فيما كتب إلى السهولة والوضوح، بل راح يتحدث في غموض والتواء دون أن يسوق الأمثلة التي توضح ما يقول، زاعما أنها تطيل كتابه بغير جدوى؛ إذ هو يقصد بكتبه إلى الفلاسفة المحترفين، وليس هؤلاء بحاجة إلى الشرح والإيضاح، ومع ذلك فقد كان بين هؤلاء من ضاق بها صدرا، فقد حدث أن «كانت» قد بعث بالنسخة الخطية من كتابه في «نقد العقل الخالص» إلى صديقه هرز

Herz

ليطلع عليها، وكان «هرز» متعمقا في دراسة الفلسفة معروفا بسعة اطلاعه وعمق تأمله، ولكنه مع ذلك لم يكد يقرأ الكتاب إلى نصفه حتى أعاده إلى صاحبه قائلا: إنه يخشى على نفسه الجنون لو واصل قراءة الكتاب ... فإن كان هذا شأن من اتخذ الفلسفة حرفة، فماذا نحن صانعون؟ لا بد أن ندنو منه في يقظة وحذر، وأن نبدأ السير من نقط مختلفة على هامشه، وبعيدة عن قلبه ولبابه، ثم نلتمس ثغرة لننفذ منها إلى حيث ذلك الكنز المغلق، والسر المبهم العسير.

كانت. (1) من «فولتير» إلى «كانت»

لقد كان من أثر الصيحة الداوية التي هتف بها «فرانسس بيكون» أن اندفعت أوروبا بأسرها (ما عدا روسو) تثق بالعلم وتؤمن بالمنطق في حل كل ما يعترض الإنسان من مشكلات، ولقد غالى الفرنسيون في تمجيد العقل في العصر الذي يسمى بعصر التنوير، والذي يمثله فولتير، إلى حد أن اتخذ الباريسيون في ثورتهم امرأة حسناء عصرية من نساء باريس، وأطلقوا عليها اسم «إلهة العقل» ليدلوا بتمجيدهم إياها على إطراحهم لأساليب التفكير البالية، واعتناقهم للعقل وحده، به يستهدفون دون أن يكون لغيره عليهم سلطان. ولقد استتبع هذا التمسك بالعقل ومنطقة الكفر والإلحاد والنزعة المادية في إنجلترا وفي فرنسا على السواء. فقال «هوبز» في إنجلترا: «ليس في الوجود إلا ذرات الفراغ.» وأخذت العقيدة الدينية في فرنسا تتقوض وتنهار، حتى زعموا أنهم أنزلوا الله من ملكوته ، في نفس الوقت الذي أنزلوا فيه أسرة البوربون من عرشها. وطغى الإلحاد في فرنسا حتى أصبح بدعا (مودة) سائدا في الأندية، وحتى أخذ به رجال الكنيسة أنفسهم، وهكذا غاض الإيمان في فرنسا عندئذ، وساد العقل وانتصر.

فولتير.

ولكن هذه الهجمة العنيفة التي سددت نحو الدين في عصر التنوير على يدي فولتير وأقرانه لم يطل أمدها، فليس من اليسير أن تزعزع إيمانا يحمل معه التفاؤل والأمل، قد مد جذوره في أفئدة الناس وقلوبهم. هيهات للعقل أن يقتلع بعاصفته هذه الدوحة المتأصلة الراسخة، ولهذا لم يلبث الإيمان - الذي ظن العقل أنه قد أطاح به ومحاه - أن عاد وشك في أهلية القاضي الذي حكم عليه بالزوال ... لماذا لا نتناول هذا العقل نفسه الذي وضع نفسه موضع الحكم بالاختبار، كما تناول هو الدين من قبل بالتجربة والامتحان؟ ما هذا العقل الذي يأبى عليه غروره إلا أن يهدم عقيدة عمرت آلاف السنين، وتغلغلت في ملايين النفوس؟ أهو حكم فصل صادق لا ينطق إلا بالحق، أم هو عضو من أعضاء الإنسان، وهو - كأي عضو آخر - محصور بقيود وظيفته، محدود بقواه؟ لقد حان الوقت لنحاكم القاضي، نعم لا بد أن نمتحن هذه المحكمة القاسية التي قضت بكلمة على إيمان فيه الأمل المبتسم الزاهر، ها قد جاء الحين «لنقد العقل» على يدي «كانت». (2) من «لوك» إلى «كانت»

لقد مهد (لوك، وبركلي، وهيوم) الطريق لهذه المحاكمة التي نريدها للعقل، إذ ارتد العقل لأول مرة في الفكر الحديث إلى نفسه يمتحنها ويختبرها في كتاب «لوك»، مقالة «في العقل البشري»، وبدأت الفلسفة تبحث في الوسائل التي ركنت إليها، ووثقت بها هذا الزمن الطويل، فلم تعد تأتمن العقل، وداخلها فيه الريب والشك.

فقد انتهى «لوك» إلى إنكار الآراء الفطرية، التي يقول دعاتها إنها تولد مع الإنسان كمعرفة الخير والشر مثلا، وأكد أن العقل عند ولادة الطفل يكون كالصفحة البيضاء خاليا من كل شيء وقابلا للانفعال بالبواعث المختلفة، فإذا ما مرت به تجارب الحياة تركت فيه آثارها، وطريق تلك التجارب إلى العقل هي الحواس وحدها، وليس في حنايا العقل أثر واحد لم يسلك طريق الحواس أولا، فالآثار الخارجية تنتقل إلى الذهن في إحساسات مختلفة، ثم تولد هذه الإحساسات شتى الآراء والأفكار. وما دامت الأشياء المادية وحدها هي التي يمكن أن تنتقل عن طريق الحواس، إذن فكل معلوماتنا مستمدة من الأجسام المادية دون غيرها، ومعنى ذلك أن المادة عند «لوك» هي كل شيء.

অজানা পৃষ্ঠা