وقد تكون حروبه الطويلة للقبائل قد أفسدت طبيعته العربية السمحة، وقد يكون قد فطر هكذا على أخلاق شرسة لا تلين، فهو الآن لا يستطيع أن يندمج كعادته في زحام شوارع قرطبة، وإذا مر بهذه الشوارع فإنما يمر راكبا محاطا بحراس أقوياء من الغرباء، مشتبها في كل شيء، ومتهما كل إنسان، تنتابه أفكار مظلمة، وتزعجه ذكريات الدماء، فكان له أربعون ألف حارس من مرتزقة البربر يحمونه من أعدائه الذين سحقهم تحت قدميه، وكان إخلاص هؤلاء الحراس المأجورين لمولاهم يعادل بغضهم لجميع الأهلين الذين أذلهم سيدهم وألصق آنافهم بالتراب.
وقد نظم عبد الرحمن في وحدته هذه القصيدة يناجي فيها نخلة نقلها من أرض أجداده وغرسها بالأندلس؛ لأنه كان يقول الشعر، وهو في أبياته يحنو على النخلة في منفاها ويقول:
تبدت لنا بين الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت: شبيهي في التغرب والنوى
وطول ابتعادي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
أدرك الغرض الذي سعى إليه في ميعة طموحه، فأخضع العرب والبربر، وأعاد إلى الملك عدلا ونظاما، ولكنه كسب كل هذا فخسر قلوب رعيته.
فوارحمتا لذلك الفتى الوسيم الذي دخل الأندلس بطلا مقداما ففاز بطاعة أهلها وإخلاصهم، ثم وارحمتا له وهو يدلف إلى قبره بعد اثنتين وثلاثين سنة، بغيضا جبارا، يحمي عرشه الملطخ بالدماء بسيوف المرتزقة الذين يبيعون إخلاصهم بالذهب، لقد حكم إسبانيا بالسيف، وعلى خلفائه أن يجروا على هذا السنن.
অজানা পৃষ্ঠা