ما الذي يحمل قيصر على أن يطيل أمد سلطته الاستبدادية (الديكتاتورية) بعد أن رفع شبح الحرب ظله عن رومية، ورف عليها السلام؟
غير أن قيصر كان ما يزال المسلط على رومية، الآمرها بما يحب، الناهيها عما لا يحب، القابض عنها ما لا يريد، الباسط لها الكف بما يهوى.
كان يدني إليه من رجال الجيش من يشاء، ويقصي منهم من يشاء، يقطعهم الولايات، ويملكهم الرقاب، حرا مختارا، فلا إرادة إلا إرادة قيصر؛ ولا راد لما يشاء.
أيمضي قيصر في استغلال السلطة إلى غير حد؟ وعند أي حد سوف تقف سلطة قيصر؟ إن عنوان «الملك» إذا أضفي على قيصر، لن يزيد من سلطته شيئا؛ ولكن أهل «رومية» كانوا يحسون أن قيصر إنما يريد أن ينتهب أول فرصة لينادي بملوكيته، وليقر السلطة على أساس من شريعة الملك.
ما مر بخيال قيصر في تلك الفترة أن يستشير زميلا، أو يقف أمام شيوخ رومية وقناصلها وساداتها، ليؤدي حسابا عما يفعل، أو عما فعل، بل كانت كل أفعاله نامة عنه أنه يحاول أن يتحداهم، وأن يمتحن قدر ما في أيديهم من قوة، ليزن الأمر، ويكيف الظرف، هذا إن لم يكن قد قام في ذهنه أنهم كميات مهملة، أو فروض لا حقيقة لها، أو أصفار.
لقد طال المدى بقيصر، وجرى في حلبة التطرف شوطا حمله على أن يهزأ بآداب «كاتو»، وأن يشك في التقاليد، بل وفي الشرائع، ثم في الآلهة! ألم يعلن في «السناتو» الروماني جهرة: «إن الجمهورية منذ اليوم اسم لا مسمى له»! مضيفا هذا القول إلى أشباه من شاكلته، كانت جماعها أبعد ما فاه به «قيصر» عن مظنة التبصر والحكمة؟ •••
كان «قيقرون»
12
زعيم الحزب المنابذ لقيصر، ولقد أخذه من أمر رومية هم عميق، وأزعجه مجرى الحوادث، وكان «قيقرون» أعظم خطباء رومية؛ وكان بعد قيصر، أول روماني يتصدر للزعامة، عن جدارة واستحقاق، ولقد دلت الحوادث التي عركها وعركته، على أنه أصلب الرومانيين في نصرة الحق عودا، وأعظمهم في الدفاع عن مصالح «رومية» تضحية.
كان متجهه الحر، وسياسته الحرة، قد حملته على أن يناصر حزب «پومپيوس» الكبير، ومنذ هزم ذلك الحزب وتقطعت بفلوله الأسباب، انكفأ يعيش بعيدا عن هموم السياسة في قصره على مقربة من «توسكولوم»، ليأنس بتأملاته، ويجذل بأحاديث نفسه.
অজানা পৃষ্ঠা