أي مطمع ذاك الذي يملأ قلب «كليوبطرا»؟ أيكون لهذه الثائرة المتمردة من مطمع ينزل عن رومية؟ رومية وحدها! هي مطمحها، أنها لا تطمع، بعد أرض الفراعنة، في أكثر من أرض الرومان ... ولكن.
هنالك من نافذة القصر، أطلت زهرة يانعة تجلت في نورياتها قوة الحياة والإشراق، ومن تحتها وعلى فريع صغير، زهرة ذابلة.
الأولى حمراء بلون الدم، أما الثانية فصفراء باهتة.
تطلعت إليهما «كليوبطرا»، فذكرتها الأولى بالحياة، أما الثانية، فبأي شيء توحي؟
يا لها من أحلام. •••
أكان عجيب من ابن «الزهرة»، ذاك الذي حملته حاجات الحرب، ومطالب الضرب والقتال، على أن يصمد صابرا على رمضاء الشرق حينا، وعلى زمهرير بلاد الهمج الذين يقطنون أقصى الشمال حينا آخر، أن تأخذه في محيطه الجديد نشوة تسكره بلذاذات ذلك القصر وتلك الملكة؟
لقد اتفق كل شيء من حوله على أن يزوده بنعائم حياة قلما ألفها! نعائم تتوجها مفاتن «كليوبطرا» وشبابها وسخريتها من الدنيا ومن الأحداث، ولقد أحبها «قيصر» لأول نظرة حبا ألهبته شهوة حارة، هي أشبه بذلك اللظى الرائع الذي تجلو به الشمس سماء الخريف، بعد أن يموت الصيف، وتلبس الأشجار حلتها الزاهية، انتظارا لنوم الشتاء الطويل.
ولقد استجابت «كليوبطرا» لنداء الحب، ولبت داعي شهواتها، فألقت بنفسها في أحضان اللذة غير وانية، فالحرمان والنفي، والخوف من أن تعود سيرتها الأولى طردا وتشريدا، كل هذا جعلها تتحرق شوقا إلى تذوق السعادة، وانتهاب لذائذها، ومن غير أن تسأل «قيصر» عن طبيعة ذلك الحب الذي كان يغمرها به، ومن غير أن تفكر هنيهة في بواعث الأنانية التي تكمن من ورائه، دلفت إلى حياة اللذة، مأخوذة بنشوة انتصارها وتسودها.
ولم لا؟ لقد كان لها في تلك الحال أن لا تفكر، وكان لها أن لا تشفق من شيء أو تخاف شيئا، ما دامت راضية بكل ما يحوطها، قانعة بأن تظل بين ذراعي «قيصر»، ما ظلت «مصر» بين ذراعيها.
كم تمنت أن تقع على من يحميها! وها هي ذي، قد وقعت على الرجل الذي يحميها ويحبها بحرارة ولوعة.
অজানা পৃষ্ঠা