رسالة كتبتها إلى أحد الإخوان وسميتها ب القول المبين عن وجوب مسح الرجلين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلواته على سيدنا محمد ورسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين.
سألت - أيدك الله تعالى - في أن أورد لك من القول في مسح الرجلين، ما يتبين لك به وجوبه وصحة مذهبنا فيه وصوابه، وأنا أجيبك إلى ما سألت، وأورد مختصرا نطلب به ما طلبت، بعون الله وتوفيقه.
اعلم أن فرض الرجلين عندنا في الوضوء هو المسح دون الغسل، ومن غسل فلم يؤد الفرض، وقد وافقنا على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، كابن عباس (1)
পৃষ্ঠা ১৯
رحمة الله عليه، وعكرمة (٢)، وأنس (٣)، وأبي العالية (٤)، والشعبي (٥)، وغيرهم (٦).
ودليلنا على أن فرضهما المسح: قول الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/6" target="_blank" title="المائدة 6">﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾</a> (7) فتضمنت الآية جملتين، وصرح فيهما بحكمين:
পৃষ্ঠা ২০
بدأ في الجملة الأولى بغسل الوجوه، ثم عطفت الأيدي عليها، فوجب لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها.
ثم بدأ في الجملة الثانية بمسح الرؤوس، ثم عطفت الأرجل عليها، فوجب أن يكون لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها، حسبما اقتضاه العطف في الجملة التي قبلها (8).
ولو جاز أن يخالف في الجملة الثانية بين حكم الرؤوس والأرجل المعطوفة عليها، لجاز أن يخالف في الجملة الأولى بين حكم الوجوه والأيدي المعطوفة عليها، فلما كان هذا غير جائز، كان الآخر مثله.
فعلم وجوب حمل كل عضو معطوف في جملة على ما قبله، وفيه كفاية لمن تأمله.
* * *
পৃষ্ঠা ২১
فإن قال قائل: إنا نجد أكثر القراء يقرؤون الآية بنصب الأرجل، فتكون الأرجل في قراءتهم معطوفة على الأيدي، وذلك موجب للغسل.
قيل له: أما الذين قرؤوا بالنصب من السبعة فليسوا بأكثر من الذين قرؤوا بالجر، بل هم مساوون لهم في العدد.
وذلك أن ابن كثير (9) وأبا عمرو (10) وأبا بكر (11) وحمزة (12) عن عاصم (13) قرؤوا (وأرجلكم) بالجر (14).
পৃষ্ঠা ২২
ونافعا (15) وابن عامر (16) والكسائي (17) وحفصا (18) عن عاصم قرؤوا (وأرجلكم) بالنصب (19).
وقد ذكر العلماء بالعربية أن العطف من حقه أن يكون على أقرب مذكور دون أبعده (20)، هذا هو الأصل، وما سواه عندهم تعسف وانصراف عن حقيقة الكلام إلى
পৃষ্ঠা ২৩
التجوز من غير ضرورة تلجئ إلى ذلك، وفيه إيقاع اللبس، وربما صرف المعنى عن مراد القائل.
ألا ترى أن رئيسا لو أقبل على صاحب له فقال له: أكرم زيدا وعمرا، واضرب خالدا وبكرا، لكان الواجب على الصاحب أن يميز بين الجملتين من الكلام، ويعلم أنه ابتدأ في كل واحدة منهما ابتداء عطف باقي الجملة عليه دون غيره، وأن بكرا في الجملة الثانية معطوف على خالد، كما أن عمرا في الجملة الأولى معطوف على زيد، ولو ذهب هذا المأمور إلى أن بكرا معطوف على عمرو لكان قد انصرف عن الحقيقة ومفهوم الكلام في ظاهره، وتعسف تعسفا صرف به الأمر عن مراد الآمر به، فأداه ذلك إلى إكرام من أمر بضربه.
ووجه آخر: وهو أن القراءة بنصب الأرجل غير موجبة أن تكون معطوفة على الأيدي، بل تكون معطوفة على الرؤوس في المعنى دون اللفظي، لأن موضع الرؤوس نصب بوقوع الفعل الذي هو المسح، وإنما انجرت بعارض وهو الباء.
والعطف على الموضع دون اللفظ جائز مستعمل في لغة العرب (21)، ألا تراهم يقولون: مررت بزيد وعمرا، ولست بقائم ولا قاعدا، قال الشاعر:
معاوي إننا بشر فاسجح (22) * فلسنا بالجبال ولا الحديدا (23)
পৃষ্ঠা ২৪
والنصب في هذه الأمثلة كلها إنما هو العطف على الموضع دون اللفظ، فيكون على هذا من قرأ الآية بنصب الأرجل كمن قرأها بجرها، وهي في القراءتين جميعا معطوفة على الرؤوس التي هي أقرب إليها في الذكر من الأيدي، ويخرج ذلك عن طريق التعسف، ويجب المسح بهما جميعا، والحمد لله.
وشئ آخر: وهو أن حمل الأرجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرؤوس أولى من حملها على أن تكون معطوفة على الأيدي، وذاك أن الآية قد قرئت بالجر والنصب معا، والجر موجب للمسح، لأنه عطف على الرؤوس، فمن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على الأيدي أوجب الغسل ، وأبطل حكم القراءة بالجر الموجب للمسح.
ومن جعل النصب إنما هو لعطف الأرجل على موضع الرؤوس أوجب المسح الذي أوجبه الجر، فكان مستعملا للقراءتين جميعا، غير مبطل لشئ منهما، ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل أحدهما.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون استعمال القراءتين إنما هو بغسل الرجلين، وهو أحوط في الدين، وذلك أن الغسل يأتي على المسح ويزيد عليه، فالمسح داخل فيه، فمن غسل فكأنما مسح وغسل، وليس كذلك من مسح، لأن الغسل غير داخل في المسح.
قلنا: هذا غير صحيح، لأن الغسل والمسح فعلان كل واحد منهما غير الآخر وليس بداخل فيه، ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه.
ويبين ذلك أن الماسح كأنه قيل له: اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح، والغاسل كأنما قيل له: لا تقتصر على هذا القدر، بل تناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول.
পৃষ্ঠা ২৫
فقد تبين أن لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الآخر، ولولا ذلك لكان من غسل رأسه فقد أتى على مسحه، ومن اغتسل للجمعة فقد أتى على وضوئه، هذا مع إجماع أهل اللغة والشرع على أن المسح لا يسمى غسلا، والغسل لا يسمى مسحا (٢٤).
فإن قيل: لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قوله سبحانه:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/33" target="_blank" title="سورة ص 33">﴿فطفق مسحا بالسوق والأعناق﴾</a> (25) أنه غسل سوقها وأعناقها، فسمي الغسل مسحا.
قلنا: ليس هذا مجمعا عليه في تفسير هذه الآية، وقد ذهب قوم إلى أنه أراد المسح بعينه (26)، وقال أبو عبيدة (27) والفراء (28) وغيرهما: أنه أراد بالمسح الضرب (29).
وبعد: فإن من قال: إنه أراد بالمسح الغسل، لا يخالف في أن تسمية الغسل لا
পৃষ্ঠা ২৬
تخالف مسحا مجازا واستعارة، وليس هو على الحقيقة، ولا يجوز لنا أن نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة.
فإن قال: ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق، فإن العرب قد تعرب الاسم بإعراب ما جاوره، كقولهم: جحر ضبي خرب، فجروا خربا لمجاورته لضب، وإن كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب.
فتكون كذلك الأرجل، إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس، قال امرؤ القيس (30):
كأن ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل (31) فجر مرملا لمجاورته لبجاد، وإن كان من صفات الكبير، لا من صفات البجاد، فتكون الأرجل على هذا مغسولة، وإن كانت مجرورة.
قلنا: هذا باطل من وجوه:
পৃষ্ঠা ২৭
أولها: اتفاق أهل العربية على أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه، وإنما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها إلى غيرها، وما هذا سبيله فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة تلجئ إليه (32).
وثانيها: أن المجاورة لا يكون معها حرف عطف، وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف (33)، وفي وجود واو العطف في قوله تعالى: (وأرجلكم) دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه، وصحة العطف.
وثالثها: أن الإعراب بالجوار إنما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام، ولا يعترض اللبس في معناه، ألا ترى أن الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم: جحر ضب خرب، بأن خربا صفة للجحر دون الضب، وكذلك ما أنشد في قوله:
مزمل، وأنه من صفات الكبير دون البجاد؟!
وليس هكذا الآية، لأن الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح، كما يصح أن يكون الغسل، فاللبس مع المجاورة فيها قائم، والعلم بالمراد منها مرتفع، فبان بما ذكرناه أن الجر فيها ليس هو بالمجاورة، والحمد لله.
فإن قيل: كيف ادعيتم أن المجاورة لا تجوز مع واو العطف، وقد قال الله
পৃষ্ঠা ২৮
عز وجل: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/17" target="_blank" title="سورة الواقعة 17">﴿يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق﴾</a> (٣٤) ثم قال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/22" target="_blank" title="سورة الواقعة 22">﴿ وحور عين﴾</a> (٣٥) فخفضهن بالمجاورة، لأنهن يطفن ولا يطاف بهن.
قلنا: أول ما في هذا أن القراء لم يجمعوا على جر (حور عين) بل أكثر السبعة يرى أن الصواب فيها الرفع، وهم: نافع وابن كثير، وعاصم في رواية أبي عمرو، وابن عامر (٣٦).
وإنما قرأها بالجر حمزة والكسائي وفي رواية المفضل (٣٧) عن عاصم (٣٨).
وقد حكي عن أبي (٣٩) أنه كان ينصب فيقرأ. (وحورا عينا) (٤٠) ثم إن للجر فيها وجها صحيحا غير المجاورة، وهو أنه لما تقدم قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/11" target="_blank" title="سورة الواقعة 11">﴿ أولئك المقربون * في جنات النعيم﴾</a> (41) عطف بحور عين على جنات النعيم، فكأنه قال: هم في جنات النعيم، وفي مقارنة أو معاشرة حور عين، وحذف المضاف، وهذا وجه
পৃষ্ঠা ২৯
حسن، وقد ذكره أبو علي الفارسي (42) في كتاب الحجة في القراءات، واقتصر عليه دون ما سواه (43)، ولو كان للجر بالمجاورة فيه وجه لذكره.
فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون القراءة بالجر موجبة للمسح، إلا أنه متعلق بالخفين لا بالرجلين (44)، وأن تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين بأعيانهما، فتكون الآية بالقراءتين مفيدة لكلا الآمرين؟
قلنا: أنكرنا ذلك لأنه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة إلى التجوز والاستعارة من غير أن تدعو إليه ضرورة ولا أوجبته دلالة، ذلك خطأ لا محالة، والظاهر يتضمن ذكر الأرجل بأعيانها، فوجب أن يكون المسح متعلقا (45) بها دون
পৃষ্ঠা ৩০
غيرها، كما أنه تضمن ذكر الرؤوس وكان الواجب بها أنفسها دون أغيارها.
ولا خلاف في أن الخفاف لا يعبر عنها بالأرجل، كما أن العمائم لا يعبر عنها بالرؤوس، ولا البراقع بالوجوه، فوجب أن يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه، ولو شاع سوى ذلك في الأرجل حتى تكون هي المذكورة والمراد سواها، لشاع نظيره في الوجوه والرؤوس ولجاز أيضا أن يكون قوله سبحانه: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/33" target="_blank" title="سورة المائدة 33">﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف﴾</a> (46) محمولا على غير الأبعاض المذكورة، ولا خلاف في أن هذه الآية دالة بظاهرها على قطع الأيدي والأرجل بأعيانها، وأنه لا يجوز أن ينصرف عن دليل التلاوة وظاهرها، فكذلك آية الطهارة لأنها مثلها.
فإن قيل: إن عطف الأرجل على الأيدي أولى من عطفها على الرؤوس، لأجل أن الأرجل محدودة كاليدين، وعطف المحدود على المحدود أشبه بترتيب الكلام (47).
قلنا: لو كان ذلك صحيحا، لم يجز عطف الأيدي وهي محدودة، على الوجوه وهي غير محدودة في وجود ذلك، وصحة اتفاق الوجوه والأيدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد، دلالة على صحة عطف الأرجل على الرؤوس، واتفاقهما في الحكم، وإن اختلفا في التحديد.
على أن هذا أشبه بترتيب الكلام مما ذكر الخصم، لأن الله تعالى ذكر عضوا مغسولا غير محدود، وهو الوجه، وعطف عليه من الأيدي بمحدود مغسول، ثم ذكر عضوا ممسوحا غير محدود، وهو الرأس، وعطف عليه من الأرجل بممسوح محدود،
পৃষ্ঠা ৩১
فتقابلت الجملتان من حيث عطف فيهما مغسول محدود على مغسول غير محدود، وممسوح محدود على ممسوح غير محدود.
فأما من ذهب إلى التخيير، وقال: أنا مخير في أن امسح الرجلين وأغسلهما، لأن القراءتين تدلان على الأمرين كلاهما، مثل: الحسن البصري (48)، والجبائي (49)، ومحمد بن جرير الطبري (50)، ومن وافقهم (51)، فيسقط قولهم بما قدمناه من أن القراءتين لا يصح أن تدلا إلا على المسح، وأنه لا حجة لمن ذهب إلى الغسل، وإذا وجب المسح بطل التخيير.
وقد احتج الخصوم لمذهبهم من طريق القياس، فقالوا: إن الأرجل عضو يجب فيه الدية، أمرنا بإيصال الماء إليه، فوجب أن يكون مغسولا كاليدين.
وهذا احتجاج باطل وقياس فاسد، لأن الرأس عضو يجب فيه الدية، وقد أمرنا
পৃষ্ঠা ৩২
بإيصال الماء إليه، وهو مع ذلك ممسوح.
ولو تركنا والقياس لكان لنا منه حجة هي أولى من حجتهم، وهي: أن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى، يسقط حكمه في التيمم، فوجب أن يكون فرضه المسح، دليله الرأس (52).
فإن قالوا: هذا ينتقض عليكم بالجنب، لأن غسل جميع بدنه وأعضائه يسقط في التيمم، وفرضه مع ذلك الغسل.
وقد احترزنا من هذا بقولنا: إن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى، فلا يلزمنا بالجنب نقض على هذا.
فإن قال قائل: فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه توضأ فغسل وجهه وذراعيه، ثم مسح رأسه وغسل رجليه، وقال: هذا وضوء الأنبياء من قبلي، هذا الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به؟
قيل له: هذا الخبر الذي ذكرته مختلط من وجهين رواهما أصحابك:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ مرة مرة، وقال: هذا الذي لا يقبل الله صلاة إلا به (53) ولم يأت في الخبر كيفية الوضوء.
والآخر: أن النبي صلى الله عليه وآله غسل وجهه ثلاثا، ويديه ثلاثا، ومسح رأسه، وغسل رجليه إلى الكعبين، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي (54) ولم يقل فيه: لم يقبل الله صلاة إلا به فخلطت في روايتك أحد الجزءين بالآخر لبعدك عن معرفة الأثر.
পৃষ্ঠা ৩৩
وبعد: فلو كانت الرواية على ما أوردته لم يكن لك فيها حجة، لأن الخبر إذا خالف ما دل عليه القرآن، وجب إطراحه والمصير - إلى القرآن دونه، ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه، كان لنا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله مسح رجليه في وضوئه، ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف، أو تبريد ونحو ذلك مما ليس هو داخلا في الوضوء، فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله، إما لأنه لم يشعر به لعدم تأمله، أو لنسيان اعترضه، أو لظنه أن المسح لا حكم له، وأن الحكم للغسل الذي بعده، أو لغير ذلك من الأسباب، وليس هذا بمحال.
فإن قال: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ويل للأعقاب من النار (55) فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزا، لما توعد على ترك غسله.
قلنا: ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به، ولا فيه أيضا ذكر وضوء فنورده لنحتج به، وليس فيه أكثر من قوله: ويل للأعقاب من النار.
فإن قال: قد روي أنه رآها تلوح فقال: ويل للأعقاب من النار (56).
قيل له: وليس لك في هذا أيضا حجة، ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة.
وبعد: فقد يجوز أن يكون رأى قوما غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن (57) مسحها، ورأى أعقابهم يلوح عليها الماء، فقال: ويل للأعقاب من النار.
ويجوز أيضا أن يكون رأى قوما اغتسلوا من جنابة، ولم يغمس الماء جميع أرجلهم، ولاحت أعقابهم بغير ماء، فقال: ويل للأعقاب من النار.
ويمكن أيضا أن يكون ذلك في الوضوء لقوم من طغام (58) العرب مخصوصين،
পৃষ্ঠা ৩৪
كانوا يمشون حفاة فتشقق أعقابهم، فيداوونها بالبول على قديم عادتهم، ثم يتوضؤون ولا يغسلون أرجلهم قبل الوضوء من آثار النجس، فتوعدهم النبي صلى الله عليه وآله بما قال، وكل هذا في حيز الإمكان.
ثم يقال له: وقد قابل ما رويت أخبار هي أصح وأثبت في النظر، والمصير إليها أولى، لموافقة ظاهرها لكتاب الله تعالى:
فمنها: أن النبي صلى الله عليه وآله قام (59) بحيث يراه أصحابه، ثم توضأ فغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه ورجليه (60).
ومنها: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال للناس في الرحبة (61): ألا أدلكم على وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قالوا: بلى.
فدعا بقعب (62) فيه ماء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على رأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث حدثا (63).
فإن قال الخصم: ما مراده بقوله: وضوء من لم يحدث حدوثا؟ وهل هذا إلا دليل على أنه قد كان على وضوء قبله؟
قيل له: مراده بذلك أنه الوضوء الصحيح الذي كان يتوضؤه رسول الله صلى الله عليه وآله، وليس هو وضوء من غير وأحدث في الشريعة ما ليس منها.
ويدل على صحة هذا التأويل، وفساد ما توهمه الخصم: أنه قصد أن يريهم فرضا يعولون عليه ويقتدون به فيه، ولو كان على وضوء قبل ذلك، لكان لم يعلمهم الفرض الذي هم أحوج إليه.
পৃষ্ঠা ৩৫
ومن ذلك: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: ما نزل القرآن إلا بالمسح (٦٤) ولا يجوز أن يكون أراد بذلك إلا مسح الرجلين، لأن مسح الرؤوس لا خلاف فيه.
ومنه: قول ابن عباس رحمة الله عليه: نزل القرآن بغسلين ومسحين (٦٥).
ومن ذلك: إجماع آل محمد عليهم السلام على مسح الرجلين دون غسلهما (٦٦)، وهم الأئمة والقدوة في الدين، لا يفارقون كتاب الله عز وجل إلى يوم القيامة، وفيما أوردناه كفاية ، والحمد لله.
سؤال: فإن قال قائل: فلم ذهبتم في مسح الرأس والرجلين إلى التبعيض؟
جواب: قيل له: لما دل عليه من ذلك كتاب الله سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله:
أما دليل مسح بعض الرأس فقول الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/6" target="_blank" title="سورة المائدة 6">﴿وامسحوا برءوسكم﴾</a> (67) فأدخل الباء التي هي علامة التبعيض، وهي التي تدخل على (68) الكلام مع استغنائه في إفادة المعنى عنها، فتكون زائدة، لأنه لو قال: وامسحوا رؤوسكم، لكان الكلام صحيحا، ووجب مسح جميع الرأس، فلما دخلت الباء التي لم يفتقر الفعل في تعديه إليها، أفادت التبعيض.
وأما دليل مسح بعض الأرجل: فعطفها على الرؤوس، والمعطوف يجب أن
পৃষ্ঠা ৩৬
يشارك المعطوف عليه في حكمه (69).
وأما شاهد ذلك من السنة: فما روي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله توضأ فمسح بناصيته، ولم يمسح الكل (70).
ومن الحجة على وجوب التبعيض في مسح الرؤوس والأرجل: إجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك، وروايتهم إياه عن رسول الله جدهم صلى الله عليه وآله (71)، وهم أخبر بمذهبه.
سؤال: فإن قال قائل: ما الكعبان عندكم اللذان تمسحون إليهما؟
جواب: قيل له. هما العظمان النابتان في ظهر القدمين عند عقد الشراك، وقد وافقنا على ذلك محمد بن الحسن (72)، دون من سواه (73).
دليلنا: ما رواه أبان بن عثمان، عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ألا أحكي لك وضوء رسول الله صلى ا لله عليه وآله فمسح
পৃষ্ঠা ৩৭
رأسه وقدميه، ثم وضع يده على ظهر القدم. ثم قال [: هذا هو الكعب قال:
وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب، ثم قال: إن هذا هو الظنبوب] (74).
* * *
পৃষ্ঠা ৩৮