أنَّ الغداءَ إن دَنا من حاجتِهْ
وامتدَّ عرشا عنقهِ للقمَتهْ
وأمّا الإيطاءُ فردّ كلمة قد قفي بها مرة، نحو قافية على رحل، وأخرى على رحل، في قصيدة. فهذا عيبٌ عند العرب، لا يختلفون فيه. وقد يقولونه. قال النابغة:
أو أضعُ البيتَ في خرساءَ مظلمةٍ ... تقيّدُ العيرَ، لا يسري بها السَّاري
وقال فيها:
لا يخفضُ الرّزَّ عن أرضٍ ألمَّ بها ... ولا يضلُّ على مصباحِهِ السَّاري
وأما قوله:
يا ربِّ، سلِّمْ سد وهنَّ الليَّلهْ
وليلةً أخرى، وكلَّ ليلهْ
فليس بإبطاء، لأنَّ إحداهما بالألف واللام، والأخرى بغير ألفٍ ولام. فهذا جائزٌ. وإذا كثر الإيطاء كان أعيبَ عندهم. وإن طالت القصيدة، وتباعد ما بين الإيطاءين كان أحسن. وإن كان أحدها في صفة، والأخرى في صفة أخرى كان أحسنَ، لأنّ أخذه في صفة أخرى مشبّه بابتداء قصيدة أخرى. لا يكاد يأخذُ في صفة أخرى إلاَّ يصرّع في أوّل القصيدة. ويقول: لا بل قل في كذا وكذا، ودع كذا وكذا، أو عدّ عنه. فكأنه قد قطع.
وما لا يكاد يوجد في الشعر البيتان الموطآن ليس بينهما بيت أو بيتان غير موطأين في القصيدة، وثلاثة أبيات. فهذا لا يكاد يوجد، لأنَّ العيب لا يحتمل أن يكون أكثر من غير العيب. وقد قال ابن مقبل:
أو كاهتزازِ ردينْي تداولُهُ ... أيدي التِّجارِ فزادوا لِينا
نازعتُ ألبابَها لُبِّي بمقتصدٍ ... من الحديثِ حتى زدننَي لِينا
ليس بينهما شيءٌ، وهو شاذ. وقد جاءت أبياتٌ أخر من الرجز كلُّ بيت منها قافيته الله الله.
فإذا قفيتَ بلفظ في بيتين معناهما مختلفٌ، نحو ذهب تريد به الفعل، وذهب تريد به الاسم، لم يكن ذلك إيطاء. وكذلك رجل ورجل إذا كان أحدهما علمًا كزيد، لأنَّ العلم ليس لغيره من الأسماء. والخليل يراه إيطاء إذا اتفّق اللفظ، واختلف المعنى.
وأمّا لرجل وبرجل وأشباه ذلك ممّا تدخل عليه العوامل ممّا ليس بمبنى معه، فإن اجتمع ذلك فهو إيطاء. وليس هذا كالرجل ورجل، لأنَّ الألف واللام لازمتان للاسم، قد صيّرتاه معرفة. وليس لزومهما فيه كلزوم حرف الجرِّ. ألا ترى أنك تدخل عليه ما يعمل فيه، وتصرفه وفيه الألف واللام.
وأمّا لم تضربي، وأنت تعني المرأةَ، فيجوز مع لم تضرب، وأنت تعني الرجل، لأنّ اللفظ مختلفٌ. وليست الياء في تضربي كاللام في رجل، لأنَّ الياءَ قد ثبتت مع الفعل، ودخلت فيه لمعنى.
وأمّا هي تضرب، وأنت تضرب، فلفظهما واحدٌ، ومعناهما واحدٌ، لأنَّك تعني الفعل فيهما جميعًا. وليس الفعل بصاحب الفعل. وجميع هذا إيطاءٌ. وكذا الزَّوج إذا عتيتَ المرأة، وزوج إذا عنيت الرجل. فالزوج أوّل، كان هو الرجل بعينه، وهو المرأة بعينها. والفعل غير صاحب الفعل. فإنّك حين قلت تفعل للمرأة، وتفعل للرجل، قد ذكرت شيئًا هو لشيئين. وحين قلت زوجٌ للرجل، وزوجٌ للمرأة، قد جئتَ بشيئين لأنثى وذكر. وإنّما معنى الزوج أنّه مع آخر. فمعناه في الرجل والمرأة واحد. فلم يدلّ على تذكير ولا تأنيث.
وأمّا جللٌ للصغير والكبير فلا يكون إيطاء.
وسمعت من العرب من يجعل الرجل عرسًا. فإذا جعلت قافية عرسًا تريد به الرجل، وقافية عرسا تريد به المرأة، لم يكن إلاّ إيطاء، لأنّه كأنه شيء واحد ... فقال جليل، ثم قال جليل، فهو للرجل والمرأة سواءٌ. لأنَّ هذا بمنزلة شيء واحد، لأنَّ شيئًا هو لكلِّ شيء، وهو غير ما هو سواه.
فإن قال قائلٌ: كيف لا تجيز شيء مع شيء إذا كنت تعني بأحدهما غير ما تعني بالآخر؟ قلت: لأنّ شيئًا إنما هو لكلّ شيء. ولست تستفيد إذا ذكر شيئًا دون شيء، كما لا تستفيد في زوج دون زوج أكثر من الرجل. والغلام داخل في هذا. لأنّ الغلام قد يكون صغيرًا وكبيرًا، وكذلك الرجل، وجميع الأشياء كلّها على هذا.
وأمّا فخذ وفخذ وعنقٌ وعنقٌ، وأشباه هذا ممّا يسكنُ وسطه، فإذا كان في قافية يجوز فيها الإسكان والتحريك لم يجز الجمع بين المسكن والمحرّك، فيقول في قافية عنق وفي أخرى عنق، لأنَّ الذي يسكن يريد به لفظ متحرك، ولكنه يستثقله، ويلفظه كذا. وذلك سواء.
وكذلك الجهد والجهد، والضعف والضّعف، جمعهما إبطاء، لأنّ الذي يقول الجهد يريد الجهد.
1 / 9