ثم كل منهما إما أن يكون عقليا محضا وهو ما يتركب عن مقدمات كلها عقلية وهو ظاهر، أو سمعيا محضا كقولنا " شرب الخمر حرام وكل حرام متوعد بالعقاب على فعله " أو مركب منهما كقولنا " الباري سميع بصير وكل سميع بصير حي ".
ومنع الإمام فخر الدين وجود الدليل السمعي المحض، مفسرا له بأنه ما لم يستند صدق قائله إلى العقل أصلا وحينئذ لا يفيد علما ولا ظنا، فلا يصدق عليه اسم الدليل ولا الأمارة.
ومنعه صحيح على تفسيره، والخلاف لفظي.
البحث الخامس:
قال الإمام فخر الدين رحمه الله: الدليل اللفظي لا يفيد اليقين، واحتج بأن إفادته له يتوقف على تيقن أمور عشرة: عدم خطأ رواة الألفاظ في نقل جواهرها وإعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز والتخصيص والنسخ والاضمار والتقديم والتأخير والمعارض العقلي الذي لو كان لرجح على النقل. وظاهر أن حصول هذه الأمور في الدليل اللفظي مظنون، والموقوف على المظنون أولى أن يكون مظنونا، فكانت نتيجة ظنية.
والحق إنه قد يفيد اليقين، والشرط في إفادته اليقين لا كون الأمور المذكورة حاصلة في ذهن المستفيد ومتيقنة له كما زعم الإمام بل كونها حاصلة في نفس الأمر فإنا قد نتيقن المراد من اللفظ المنقول وإن لم يسبق إلى ذهننا شئ من هذه الشرائط، كقوله تعالى " لم يلد ولم يولد " فإنا نتيقن أن المراد منه نفي كونه والدا أو مولودا. لكن إذا حصل في ذهننا هذا التيقن استدللنا به على أن تلك الشرائط كانت حاصلة في نفس الأمر. والله أعلم.
পৃষ্ঠা ৩৬