ثم لما عرف نفسه بشؤونها، وعرف ربه - سبحانه - بصفاته وأفعاله، عبده بما خلقه فيه، فرجع الأمر إليه، فاستحق بذلك النعيم الدائم، والقرب التام، والحبور المستمر أبد الآبدين، وعلا بذلك في مراتب خلقه وأطواره، من أدناه إلى أعلاه، صعد من عالم الجن والقالب، إلى عالم الطبيعة والقوى النفسانية، ثم إلى عالم العقل [و] التعلقات الروحانية، ومساعيها الباطنة.
فلما علا في مراتب أطواره المودعة فيه، استحق أن يسمى إنسانا كاملا، لسيره في أطواره، واستعمال كل قوة بحسبها فيما خلقت له.
وإن حكم على نفسه الطبيعة والهوى، لم يعل في هذه المراتب سيرا ولا ترقيا، وتفندت روحه عن الانطلاق إلى عالمها العلوي بما تراكم عليها من ظلمات جبلتها، فرجع الأمر إلى نفسه، فانحط عن مركزها السفلي للتلطخ بأنجاس نفسه، والتلوث بأدرانها، فاستحق بذلك العذاب الأليم، والبعد عن مراتب أهل النعيم، والحجاب عن القرب العظيم، أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه، إنه المتان الكريم.
وأشهد أن لا إله إلا الله رب العرش العظيم، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، النبي الذي أنذر بالنعيم المقيم، والعذاب الأليم ، صلاة دائمة موجبة لرحمة المولى الرحيم.
পৃষ্ঠা ৮৪