فصل
قد تبين أحوال أهل الحق، ذوي المشارب الصحيحة، والمشاهد العالية المنيرة المفصلة على التفاصيل الشرعية وكونها انقسموا إلى أهل فناء وبقاء، وتبين حكم ما يخص كل فريق منهم، وما هو وظيفته.
وأما الآفات الداخلة على العباد ، أهل الأذواق المجملة ، الذين لا بصيرة لهم في دينهم، ولا معرفة لهم بأحوالهم، ولا ميزان لهم يزنون به حركاتهم وسكناتهم، فهم في حيرة يعمهون، وخبط يتعثرون، فهي أكثر من أن تحصر، لكن نذكر منها أشياء تكون تبصرة واعتبارا، يستدل بها على غيرها من الآفات، وبالله المستعان.
فمنهم من تكون طريقته العبادة، فينازله أحيانا في عبادته شيء من آثار العظمة الإلهية ، مجملا غير مفصل على تفاصيل الأسماء والصفات، ويتفق أن يكون بليدا لا فطنة له، غليظا لا لطافة له، قوي النفس والطبع، لهما التصرف فيه على عقله وقلبه، فيصبغ قلبه الأمر، فيغيب عن صفات نفسه وشؤونها، وتسلب النفس ذلك الأثر، فتجعله لها، فيظهر هو في مظهر الجبروت والعظمة، وتلوح عليه أمارات الكبرياء والرياسة، فيمشي بين العالم [و]الناس بنفس كبيرة، وصولة جسيمة، ويتردى برداء الكبر والتيه، ويتسلط على أشكاله بالغلظ، مع ما هو فيه، يأمرهم وينهاهم، والنخوة في رأسه، والقسوة في قلبه، والشر في أحداقه، يريد الخير، فيقع في الشر، ويقصد العدل فيهبط في الجور، والظلم هواه، قائده لا عقل له، كأنه ثعبان يرديه في آبار
পৃষ্ঠা ৪৯