وتمكنت قطر الندى من قلب المعتضد، فليس لواحدة غيرها في قلبه مكان، ونسي ما كان من شأنه وشأن خمارويه في ماضيه، حين مثلت قطر الندى بسحرها وفتنتها بينه وبين ماضيه، ولكن الحوادث لم تنس ...
8
ومضت أشهر، وكانت قطر الندى في شرفتها من قصر الخلافة تسرح النظر إلى البعيد البعيد ، حين كان الفارس المجهود «إبراهيم بن أحمد الماذرائي المصري» يعدو على نجيبه ميمما شطر القصر، فلما بلغ الباب ترجل ودخل ...
ومثل إبراهيم بين يدي الخليفة المعتضد، فقص عليه النبأ الذي جاء يعدو به بضعة عشر يوما في طريق البادية ...
وهتف الخليفة جزعا: «ويحك! خمارويه؟»
قال إبراهيم: «نعم يا مولاي، وثب عليه غلمانه فقتلوه في قصره بأسفل دير مروان بالشام.»
فأطرق الخليفة وقد غشى عينيه الدمع، وذهب به الفكر مذاهب شتى، عن يمين مرة وعن شمال مرة، وتمثل عدوه بالأمس وختنه اليوم مكبوبا على وجهه مضرجا بدمه، وتسلسلت خواطره حلقة وراء حلقة في خطوات سريعة، فكأنما شهد لساعته انهيار الدولة الطولونية بعينيه قبل أن تنهار، فابتسم ابتسامة ملك، ثم ارتدت خواطره إلى قطر الندى، فتمثلها في ثياب الحداد كئيبة دامعة العينين مما دهمها من مصاب أبيها، فحزن وانكسر وانقبضت نفسه انقباضة عاشق، وتعاقبت على وجهه ألوان وصور، فلو كان ثمة ذو نظر نافذ لرثى له مما يكابد.
لقد كان انهيار الدولة الطولونية أملا عزيزا يسعى لتحقيقه منذ سنين بعيدة، فليس له غيره هم بالليل وفكر بالنهار، فما همه اليوم وقد تحقق أمله أو كاد؟
بلى، لقد بلغ ما أراد، ولكن السهم الذي فوقه
29
অজানা পৃষ্ঠা