تحول إسماعيل لطيف نحوه فيما يشبه القلق، وسأله: ماذا اخترت أنت؟ لا تقل مدرسة المعلمين! رباه، نسيت أن بك لوثة قريبة الشبه بلوثة حسين.
ابتسم كمال ابتسامة عريضة كشفت عن مرونة منخريه العظيمين، وقال: التحقت بالمعلمين للسبب الذي ذكرت.
فنظر حسين شداد إليه باهتمام، ثم قال باسما: لا شك أن ميولك الثقافية أتعبتك كثيرا قبل أن يقع اختيارك.
فقال له إسماعيل لطيف بلهجة نمت عن الاتهام: إنك مسئول لدرجة كبيرة عن توكيد ميوله هذه، بل الحق أنك تتكلم كثيرا وتقرأ قليلا، أما المسكين فيأخذ الأمر مأخذ الجد ، ويقرأ لحد العمى، انظر إلى تأثيرك السيئ فيه كيف دفع به إلى المعلمين نهاية الأمر!
استطرد حسين حديثه متجاهلا مقاطعة إسماعيل: هل ثبت لديك أن في المعلمين ما تود؟
قال كمال بحماس، وقد انشرح صدره بأول صوت يتساءل عن مدرسته بلا احتقار أو استنكار: حسبي أن تتاح لي دراسة الإنجليزية لأتخذ منها وسيلة ناجعة للاطلاع غير المحدود، وإلى هذا فهناك فرصة طيبة - فيما أظن - لدراسة التاريخ، والتربية، وعلم النفس.
فكر حسين شداد قليلا، ثم قال: عرفت كثيرا من المعلمين الذين خالطتهم عن كثب في دروسي الخصوصية، لم يكونوا مثالا طيبا للرجل المثقف، ولكن لعل النظام الدراسي العتيق هو المسئول عن ذلك.
فقال كمال بحماس لم يفتر: حسبي الوسيلة، الثقافة الحقة تتوقف على الإنسان لا المدرسة.
وتساءل حسن سليم: أتنوي أن تصير معلما؟
ومع أن حسن طرح سؤاله بأدب، فإن كمال لم يطمئن إليه كل الاطمئنان؛ إذ إن التزامه الأدب كان طبعا مأثورا عنه فلا يزايله إلا عند الضرورة القصوى، أو حيث يشرع غيره في العراك، وذلك نتيجة طبيعية لرزانته من ناحية، ولتربيته الأرستقراطية النبيلة من ناحية أخرى، فلم يكن من اليسير على كمال أن يعرف إن كان سؤال صاحبه يخلو حقا من الاستنكار أو الازدراء. لذلك حرك منكبيه استهانة، وقال: لا مفر من ذلك ما دمت مصمما على تعلم ما أروم من العلم.
অজানা পৃষ্ঠা