فتساءلت عائشة ضاحكة: وأمها؟ ... ألم تري أمها؟
فقطبت خديجة، لتضفي على كلامها صفة الجدية، وهي تقول: هي أجمل منك يا عائشة، لن تستطيعي المكابرة في هذا .
ثم ما لبثت أن عاودتها سخريتها، فقالت: وأنا أجمل منكما معا! «هؤلاء الناس يتحدثون عن الجمال! ماذا عرفوا من كنه الجمال؟ تعجبهم ألوان: بياض العاج، وسبائك الذهب! سلوني أنا عنه، ولن أحدثكم عن السمرة الصافية، والأعين السود السواجي، والقامة الهيفاء، والأناقة الباريسية. كلا، كل أولئك جميل، ولكنه خطوط وشكول وألوان تخضع في النهاية للحواس والقياس. الجمال هزة في القلب جارحة، وحياة في النفس عامرة، وهيمان تسبح الروح على أثيره حتى تعانق السماوات ... حدثوني عن هذا إن استطعتم.» - لم يلتمس نساء السكرية ود خديجة هانم؟ ربما كان لها مزايا - كما يشهد بذلك زوجها - ولكن الناس عامة يستهويها الوجه الصبيح واللسان الحلو.
قال ياسين ذلك كي ينكش خديجة من جديد، بعد أن رأى الحديث يتحول عنها في سلام. فرمته بنظرة كأنما تقول له: «تأبى أن أرحمك!»
ثم قالت وهي تتنهد بصوت مسموع: حسبي الله ونعم الوكيل، لم أكن أعلم أن لي هنا حماة أخرى.
ثم إذا بها تعود من جديد إلى ذلك الموضوع، ولكن بلهجة جدية تاركة ياسين وشأنه على غير ما توقع، فتقول: ليس عندي متسع من الوقت كي أضيعه في الزيارات، البيت والأولاد يلتهمون وقتي كله، خاصة وأن زوجي لا يهتم لا بالبيت ولا بالأولاد.
قال إبراهيم شوكت، مدافعا عن نفسه: اتقي الله ولا تغالي شأنك في كل شيء، الأمر وما فيه: أنه ينبغي لمن كان له زوجة كزوجتي أن يقف موقف الدفاع من حين لآخر، الدفاع عن قطع الأثاث التي تكاد تنبري من كثرة النفض والمسح، والدفاع عن الأولاد الذين تحملهم فوق ما يطيقون ... آخر العهد بذاك، ما علمتم من دفعها عبد المنعم إلى الكتاب ولما يبلغ الخامسة من عمره.
قالت خديجة بفخار: لو اتبعت رأيكم لاستبقيته في البيت حتى يبلغ سن الرشد، كأن بينكم وبين العلم عداوة، كلا يا حبيبي، سينشأ أولادي على ما نشأ عليه أخوالهم، إني أذاكر عبد المنعم في دروسه بنفسي.
ياسين مستنكرا: أنت تذاكرينه؟ - لم لا؟ كما كانت نينة تذاكر كمال، أجالسه كل مساء فيسمعني ما يحفظونه في الكتاب.
ثم وهي تضحك: وبذلك أيضا أستذكر مبادئ القراءة والكتابة التي أخاف أن أنساها بمرور الزمن.
অজানা পৃষ্ঠা