ولم تضحك هناء من محاولة المزاح، ودخلت البيت، وراعتها أناقته، وأذهلتها سعته، ست حجرات وبهو، لماذا هذا جميعه؟ وسمعت فوزي: وطبعا سأتفق مع مهندس لتزيين الجدران، ورسم الأثاث.
وازدادت هناء ذهولا، وقالت: ولكن أليس كبيرا؟!
فقال ساخرا: أهو كبير؟ وأين هو من القصر؟
فقالت هناء: ولكن هل يكفي مرتبك لهذا البيت؟
وقال فوزي وهو يغمغم الكلام: هذا أمر ندبره.
ولم تزد هناء شيئا، وظلت صامتة وهو يتحدث عن مشروعاته في تجميل الشقة، وفي اختيار الأثاث، وفي الميزات التي في الشقة، وفي أن مكان مبيت السيارة لا يؤخذ عليه أجر إضافي، وصكت كلمة السيارة سمع هناء، فنظرت إليه، ولكنها لم تتكلم، بل ظلت على صمتها، لازمت الصمت وهو لا ينقطع عن الحديث، لازمت الصمت وهما في الطريق إلى سيارة أبيها، ولازمت الصمت وفوزي يحييها مودعا ويترك مكانه من السيارة، وظلت على صمتها حتى صعدت إلى الطابق الأعلى من البيت، وحين رأت أمها جلست أمامها صامتة، وطال بها الصمت هونا، ثم تماوجت دمعات في عينها، سارعت بإخفائها دون أن تلحظ أنها تأخرت في هذا الإخفاء، فقد كانت الأم مثبتة النظرة إليها، ترى وجهها فكأنما ترى كل ما تخفيه خلفه، وأخيرا قالت هناء: نينا، لن يكفيني ألفا جنيه للجهاز.
وقالت الأم في تؤدة وهي ناظرة إلى ابنتها لا تزال: نعم أعرف.
الفصل الخامس والعشرون
أقبل حسام على بار الشباب، فتطلع إليه الرفاق في حب وإشفاق، شأن الكريم هان بعد كرامة، أحس حسام بالإشفاق في نظرتهم، فقال غاضبا: ما لكم؟! ما هذه النظرة وكأني مسكين تعطفون عليه! هات كأسا يا يني، وكان سعد أسرعهم إلى الحديث وأجرأهم فيه: نعم، أنت مسكين بهذا السم الذي تطفحه كل يوم. - ولماذا يا سيدي؟ منكم نستفيد، ألم تكن أنت تطفح منه يوم طردك عمك؟! - كنت أهبل، وكنت أهبل لمدة يوم واحد، أو ساعة واحدة، ثم عقلت، ولكنك أنت مصر على هبلك. - يا أخي، أنا حر.
وقال سميح: ما هذا الكلام الفارغ؟ لا يا أخي، أنت لست حرا، ما معنى أن تأتي إلى هنا كل يوم، وتظل تشرب حتى لا تعي، ونظل نحن ناظرين إليك، كأنك مريض بيننا، إن كنت مجنونا يا أخي فلماذا لا تذهب إلى المستشفى؟!
অজানা পৃষ্ঠা