وأتم حسين القصة وصمت، وظل ناظرا إلى السيد، منتظرا منه أن يقول شيئا، وظل السيد ناظرا إلى حسين، متوهما أو متمنيا أن تكون للقصة بقية، وظل الاثنان يحملق كل منهما إلى الآخر فترة لم يدريا أطالت أم قصرت، حتى تنبه حسين أخيرا وتلفت حوله: الله، محمد مشي، أنا أعرف أين ذهب، مسكين سيمرض من كثرة اختلائه بنفسه.
وقال السيد: ماذا؟ - لا شيء. - هيه، وبعد؟ - وبعد فيم؟ - في حكايتك. - حكايتي؟! حكايتي انتهت من زمان. - وكم دفعت لها. - ربع جنيه.
وهمس السيد لنفسه: ربع جنيه بنت الكلب، النهاية.
ثم عاد إلى حسين: هيه، وبعد؟ - وبعد فيم؟ - في حكايتك. انتهت؟! - أقول لك انتهت. - نعم.
ولكن السيد لم يقتنع بهذه الإجابة، بل إنه راح يسأل مرة أخرى عن تفاصيل معينة، في اهتمام شديد، وإنصات واع، إلى أن استعاد القصة جميعها على طريقة سقراط من أسئلة وأجوبة، حتى إذا فرغت أسئلته، ظل محملقا في وجه حسين، وظل حسين محملقا في وجهه هنيهة هو الآخر، ثم قال: هيه.
وقال السيد وهو في غمرة من الأفكار: هيه ماذا؟ - أحرام ما فعلت؟
وانتفض السيد متذكرا السبب الذي أبداه ليستدرج القصة إلى الخروج. - آه، آه، حرام طبعا، حرام يا بني والله، حرام، ولكن الله غفور رحيم، اذهب إلى البيت وصل، وارج الله أن يغفر لك.
وانصرف حسين خجلا يتعثر في مشيته، مزمعا في نفسه توبة لا يعود بعدها إلى هذا الإثم.
واقترب السيد من الطريق الذي عبرته ناعسة، وأقام مستخفيا يرصد الطريق من حيث ذهبت، فهو يعلم أنها عائدة، فما كانت وجهتها إلى بيتها، ولا بد لها أن تعود وإنه لمنتظر.
كانت ناعسة فتاة ريانة العود، مليحة القسمات، وكان أبوها قد زوجها إلى رجل عجوز، طامعا أن يعوض الرجل ابنته عن شبابه بالمال الوفير، ولكن الرجل خيب ظن حميه، فهو وإن ملك مالا، إلا أنه لا يملك الجرأة على إخراج المال، ففقدت ناعسة في زوجها الحسنيين من شباب ومال، ولم تجد ناعسة خيرا من بيع محاسنها لتكسب بذلك كل ما خسرته في زواجها.
অজানা পৃষ্ঠা