ودخل سليمان الحجرة، وتبعه وصفي الذي كان قد وصل لتوه، وجلس كلاهما إلى الباشا وقد غشيهم الصمت، أما الباشا فمفكر في عبد البديع وفي زواجه، مقارنا بينه وبين ابنتيه اللتين تعقدان الزواج تعقيدا يوشك أن ينتهي بهما إلى بوار، ومفكر أيضا في سليمان هذا وفي وصفي، فقد كان يتمنى أن يخطب وصفي إحدى ابنتيه، ولكنه صامت لا يبين عن رغبة، ولا تبدو منه بادرة تفكير، ولو كان يطيق أن يرفض سليمان دون الرجوع إلى ابنته لفعل حتى يضمن بعده عنها، ولكن لا يستطيع، فهو ابن أخيه وإن كان فقيرا، ويخشى أن يرفضه فتغضب الأسرة جميعها، فقد استقر العرف بينهم ألا يكون المال سببا في قبول أحدهم أو رفضه، فكلهم أسرة، وكلهم سواسية، لا يرفع المال واحدا منهم ولا يخفض آخر، ولكن الحمد لله، فإن سهير ترفض وتتمسك بالرفض وما يظنها تقبله أبدا، فإن وجهه هذا - وهو يعلم أنها رأته من وراء الشباك - كفيل بأن يجعلها تزداد تمسكا برفضها له كلما عرض عليها.
وأما سليمان فقد كان يفكر فيما قال عبد البديع أفندي لعمه، وفي الثروة الضخمة التي يشرف عليها هذا العبد عبد البديع، ويتوق في أعماق نفسه أن يشرف هو عليها، آه لو تقبله سهير!
وأما وصفي فقد كان يفكر في الوسيلة التي سيلقي بها إلى عمه خبر خطبته، فقد كان يحب عمه ويقدره، ولا يريده أن يسمع خبر الخطبة من غيره، وكان يعرف أن عمه يريده، لإحدى ابنتيه، جاهلا ما بينه وبين سهير، جاهلا أيضا أن هذا الذي بينه وبين سهير هو نفسه الذي منعه من التقدم للخطبة.
وهكذا صمت ثلاثتهم حتى فتح عبد البديع أفندي الباب وتقدم إلى الباشا في انحناء، مقدما إليه إذن الصرف، ووقع الباشا الإذن بين دعوات عبد البديع أفندي المتلاحقة، والتفت الباشا إلى ولدي أخويه: باركا لعبد البديع أفندي، فإنه سيتزوج.
وهنأ الشابان عبد البديع أفندي الذي شكر لهما تهنئتهما وخرج، ولحق به وصفي إلى خارج الغرفة، وفي البهو انتحى وصفي بعبد البديع ناحية، وأخرج من حافظته عشرة جنيهات أعطاها له، وتأبى عبد البديع هنيهة، ثم قبل الهدية وهو يشكر وصفي ويدعو له!
وعاد وصفي إلى الحجرة، فوجد الصمت لا يزال يأخذ مكانه بين عمه وسليمان، وكان الباشا قد أدرك ما دعا وصفي إلى الخروج، وأراد أن يغمز سليمان فقد كان يريده هو أيضا أن يهدي كاتبه شيئا، أي شيء مهما يكن تافها ليمكن لنفسه احترامها عند الخدم، قال الباشا لوصفي: ما كان لك أن تفعل، فقد أعطيته أنا خمسين جنيها.
وتردد وصفي ثم قال: يا عمي أنا أعرف ذكاءك الخارق، ولكني ما كنت أحسب أنك تعرف الغيب أيضا. - لا غيب ولا حاضر، لم يكن هناك ما يدعو لخروجك إلا هذا، وأنا أعرف عنك أيضا أنك كثير العطاء، وسع الله عليك يا ابني!
ولم يشعر سليمان بغمزة عمه، وإنما شعر بحقده يزداد على عبد البديع لزواجه، ولنيله هذه الأموال فوق ما ينهبه من الزراعة، وشعر بحقده على وصفي يزداد أيضا لغناه، ولأنه استطاع بهذا الغني أن ينال هذا الدعاء الجميل من عمه، كما استطاع من قبل بغناه ومركزه أن يكون المرشح الأول في إشاعات الأسرة للزواج من سهير.
وانتهز وصفي الفرصة السانحة من الحديث عن الزواج وقال لعمه: وأنا يا عمي سأتزوج عن قريب.
ودهش الباشا، وتسارعت الدقات بين ضلوع سليمان.
অজানা পৃষ্ঠা