وعلى الجملة يقال الآن: إن طب الفضاء ماض في دور المراقبة والجمع والتسجيل، وإن المعلومات المتفرقة التي جمعها تنتظر المراجعة والمقابلة قبل أن ينتظم منها محصول كاف لإقامة القواعد التي تبنى عليها نتائج النظر والتفكير، ثم يأتي بعد ذلك ما يمكن أن يعمل وما يلزم أن يعمل، وليس كله من عمل الأطباء، بل منه ما يتم على أيدي المخترعين والصناع بتوجيه المختصين من علماء الطبيعة والأطباء، وقد يحتاج الأمر إلى كسوة مزودة بأجهزة للتنفس وأجهزة لموازنة فعل الجاذبية وفعل الضغط على اختلاف الأبعاد والطبقات، ولا بد مع هذا من تكوين جو الطيارة على النحو الذي يناسب جميع ركابها معا، ويناسب كل راكب منهم على انفراد؛ لأن كل واحد منهم يستقل بحركات لا يشاركه فيها زملاؤه في الطيارة، ولا يشاركونه فيها - من باب أولى - متى وصلوا إلى مكان يهبطون عليه.
فمسألة السفر بين الكواكب ليست إذن بالسهولة التي نتخيلها في الوقت الحاضر، وسواء جاءت الصعوبة من تركيب بنية الإنسان أو من تركيب الفضاء والأفلاك، فالمتفق عليه أنها صعوبة كثيرة العقبات وأن عقباتها لم تذلل، ولا يرى أنها قريبة التذليل ولو تقدم اختراع المكنات وأدوات الانتقال أضعاف ما انتهى إليه حتى الآن.
وقبل أن تستقر هذه المحاولات على نتيجة مقنعة فيما يمكن تذليله من هذه العقبات، يتساءل المطلعون والمتطلعون: ماذا يرجى من وراء تذليلها؟ وماذا يجد السائح السماوي في الكواكب العليا إذا وصل إليها؟ أثمة حياة؟ أثمة أحياء عاقلة على نجم من تلك النجوم؟ أثمة عالم آخر؟ أثمة مخلوقات سماوية؟
والظاهر من هذه الأسئلة أنها لا تسلم من إيحاء اللفظ ولعب الخيال، واسترسال الذهن مع تداعي الخواطر والمشابهات.
فالذين يسألون عن «العالم الآخر» تثب أذهانهم من هذه الكلمة إلى «العالم الآخر» الذي يترقبه المؤمنون في حياة بعد هذه الحياة، ويخيل إليهم أنه في آخر الكون لأنه بعيد من الأرض في آفاق تشبه «الآخرة» في أعلى السماوات، فما يدريهم أن آخر الكون لا يكون في هذه الأرض أو لا يكون على مقربة منها؟ ومن أين يكون الابتداء وإلى أين يصير الانتهاء في هذا الفضاء، وكله فضاء؟
والذين يتكلمون عن الكواكب كأنها السماء يستخدمون العبارات التي استخدمها الأقدمون يوم كانوا يحسبون أن الأرض في قرار الكون، وكل ما طلع من نجم شارق فهو فوقها في مكان يعلو عليها.
ولكننا إذا استخلصنا الألفاظ من هذه الإيحاءات، فالحياة التي نسائل عنها في الكواكب الأخرى قد تكون دون الحياة في الأرض كما تكون أعلى وأكمل منها في تركيبها، وقد تكون الأرض سماء عليا بالنسبة إليها ومكانا قصيا على مدى شاسع منها لم يفصل بين الأرض وبينها، وقد تكون الأرض أصلح منها للحياة، منفردة بشروطها التي تلائمها.
وليس بالقليل بين المفكرين وعلماء الطبيعة من يرى هذا الرأي الأخير، ويعتقد أن شروط الحياة لم تتوافر في سيارة من سيارات المنظومة الشمسية، كما توافرت في سيارتنا التي نعيش عليها، فإذا تجاوزوا المنظومة الشمسية إلى ما وراءها، فغاية ما يعلمونه عنها أن وجود المنظومات التي تشابهها في آفاق الكون الواسعة مستحيل، ولكنه كذلك غير لازم لزوم اليقين.
ومن المفكرين الذين يرجحون انفراد الأرض بشروط الحياة العلامة كريسي موريسون الذي أجملنا رأيه عن حكمة الحياة في الكلام على الإيمان، ويوافقه على هذا الرأي نخبة من المفكرين وعلماء الطبيعة متدينون وغير متدينين، ونكتفي بسرد أمثلة من الخصائص التي تلائم ظهور الحياة ولم يثبت توافرها على كوكب آخر، فهي كما لخصناها في كتاب عقائد المفكرين عن روبرت كلارك: «وجود الماء الغزير، وانحلال الملح الصالح فيه دون الأملاح السامة، ووجود النبات الذي يمثل الطعام للأحياء على اليابسة، ووجود الكربون وأكسيده الثاني على حالة لا يمحوها الجو المحيط بالكوكب، وقيام هذا الجو على حالة من الكثافة والانجذاب إلى الكوكب بحيث لا يكظم ما تحته ولا يرسله شعاعا في الفضاء، وليس يتحقق ذلك إذا كان الكوكب عظما كالمشترى وزحل، فإن الكربون في هذه الحالة يوجد على شكل غاز الميثان
Methane
অজানা পৃষ্ঠা