ثمة بشر، لأنهم يرتعبون من الحقيقة، يقرون بنصفها فقط كما يقدم المدينون نصف الدين للدائنين ويطالبون بتأجيل الباقي. يقولون: «بعض الأحداث حتمي، والبعض الآخر ليس كذلك.» سيكون مضحكا جدا أن أحد أجزاء العالم رتب والآخر لم يرتب؛ أن جزءا مما يحدث كان يجب أن يحدث، وجزءا آخر مما يحدث لم يكن يجب أن يحدث. إن فحص المرء بدقة ذلك الأمر سيجد أن العقيدة المناقضة لعقيدة القدر سخيفة؛ لكن كثيرا من الناس مقدور عليهم أن يفكروا على نحو سيئ، وآخرين مقدور عليهم ألا يفكروا على الإطلاق، وآخرين مقدور عليهم أن يضطهدوا من يفكرون.
يقول لك بعض الناس: «لا تؤمن بالقدرية؛ لأنه بما أن كل شيء وقتها سيبدو محتوما، فلن تفعل شيئا، وستتمرغ في اللامبالاة، ولن تحب الأغنياء ولا الشرفاء ولا المجد؛ لن تريد أن تكتسب أي شيء، وستؤمن أنك بلا حول ولا قوة؛ ما من موهبة ستنمى، وسيفنى كل شيء من خلال الفتور.»
لكن لا تخافوا أيها السادة، فستظل لدينا دائما عواطف وتحيزات؛ لأن قدرنا أن نكون خاضعين لعواطفنا وتحيزاتنا. سنعلم أن امتلاكنا جدارة كثيرة وموهبة عظيمة، لا يتوقف علينا أكثر من امتلاكنا رأسا جميل الشعر وأيدي جميلة. سنقتنع بأن علينا ألا نستخف بأي شيء، غير أننا سنحتفظ دوما بخيلائنا.
لدي حتما الدافع لأن أكتب ذلك، بينما لديكم الدافع لتدينوني؛ كلانا حمقى بالتساوي، وكلانا بالتساوي دمى تحركها أصابع القدر. طبيعتكم أن تفعلوا الشر، وطبيعتي أن أحب الحق وأعلنه رغم أنوفكم.
قالت البومة، التي تتغذى على الفئران وبقاياها، للعندليب: «أنه غناءك تحت شجرتك الظليلة الجميلة، وتعال إلى كوتي لعلي آكلك.» رد العندليب: «ولدت لأغني هنا وأسخر منك.»
تسألني ماذا سيكون من شأن الحرية؟ لا أفهمك. لا أعرف ما هذه الحرية التي تتحدث عنها؛ ظللت تجادل عن طبيعتها حتى إنك لا تتعرف عليها. إن كنت ترغب، أو بالأحرى إن كنت تستطيع، أن تتفحص معي ماهيتها بهدوء، فانتقل إلى حرف الحاء.
المخلص
تشير كلمة «مخلص» إلى «المكرس»؛ وبالمعنى الصارم للكلمة، لا ينبغي أن تنتمي هذه الصفة إلا إلى الرهبان والراهبات الذين يلتزمون بالنذور. لكن بما أنه لا ذكر في الإنجيل للنذور ولا للمخلصين؛ فهذا اللقب لا يخص أحدا في واقع الأمر. يجب أن يكون الناس بررة على التساوي. يشبه من يلقب نفسه بأنه مخلص رجلا من العامة يلقب نفسه بأنه ماركيز؛ ينسب لنفسه ميزة لا يمتلكها. يعتقد أنه أهم من جاره. يمكن للمرء أن يتغاضى عن مثل هذه الحماقة في النساء؛ فضعفهن وخفتهن يجعلانهن معذورات. تنتقل المخلوقات الضعيفة من عشيق إلى مدير بحسن نية، لكن لا يمكن للمرء أن يعذر الغشاشين الذين يديرونهن، الذين يستغلون جهلهن، الذين يقيمون عرش كبريائهم على سذاجة الجنس. يتحولن إلى مجموعة حريم صوفية صغيرة مكونة من سبعة أو ثمانية من الجميلات المتقدمات في السن، اللاتي أوهنهن افتقارهن لوظيفة، وغالبا ما يدفع هؤلاء الأشخاص إتاوة لسادتهن الجدد. ما من امرأة شابة بلا عشيق، وما من امرأة مسنة مخلصة بلا قيم. آه! الشرقيون أكثر منا حكمة! ما من باشا قط يقول: «تعشينا بالأمس مع أغا الانكشاريين الذي هو عشيق أختي، وشيخ المسجد الذي هو القيم على زوجتي.»
الخدمة الكنسية
لا تقوم مؤسسة الدين إلا لإبقاء الجنس البشري داخل نظام؛ ولجعل البشر أهلا لعطف الله بفضيلتهم. كل شيء في دين لا يتجه صوب ذلك الهدف يجب اعتباره غريبا وخطيرا.
অজানা পৃষ্ঠা