فتجلدت روزه ما أمكن، وقبلت صديقتها بفتور، ثم جلستا، وأخذتا بأطراف الحديث، فقالت روزه: كيف أنت يا ماري هذه الأيام؟ - إني كما تتمنين لي من الهناء والرفاه، وقد عزمنا على الرحيل إلى سورية، فأتيت أتزود من محياك قبلة الوداع. - وهل عزمتم على الاصطياف فيها؟ - نعم، وسنمكث هناك طول الصيف، وربما تجاوزناه إلى فصل الخريف لبعض أشغال يقصد والدي الاتجار بها بين الشام ومصر. - وهل عاودت والدك الهمة للعمل، فقد كان في عهدي أنه انقطع عنه منذ أمد طويل. - في عزمه أن يرسم خطة الأشغال، ثم يكل إدارتها إلى أخي وخطيبي، ولا بد من استصحاب أحدهما لمساعدة أبي على انتقاء الموافق من المصنوعات الشامية التي يندر وجودها في مصر، ولما كان أخي مرتبطا بخدمة البنك العقاري، فلا يمكنه مرافقتنا والاستعفاء من أشغاله قبل أن يتأكد من نجاح العمل الجديد، وعليه فسينوب عزيز مكانه في رفقتنا.
ولدى ذكر عزيز، غصت روزه بريقها وكلل العرق جبينها، غير أنها تجلدت، وأجابتها وهي تكاد تنشق مرارتها: حسنا يفعل. - إني واثقة بأن هذا العمل سوف يعود على عزيز بالنجاح والثروة، أفلا ترين رأيي؟
فأشارت إليها بالإيجاب، وقد تبين الكمد من وجهها.
أما ماري فلم تنتبه لتبدل ملامح صديقتها، إذ قد شغلت حينئذ بذكر عزيز، وسرحت أفكارها في جمال المستقبل وسعادة أيامه.
فقالت لها روزه، وهي تحاول الابتسام: وهل تحبينه يا ماري؟
فأكدت لها بنظرة لطيفة، وقد تضرج خداها، وافتر ثغرها. - وهو يهواك طبعا. - إلى حد العبادة.
ثم جعلت تسرد لها من الأدلة القاطعة، والبراهين الناطقة بصدق هواه، وكثرة هيامه، وتلك تتلقى سهام كلمتها بصدر أدمته يد الأحزان، وهي تتلوى كطير مذبوح، وتتنهد من صدر مقروح، محاولة امتلاك نفسها وكتمان حزنها، غير أن الضعف غلبها أخيرا، فهوت إلى الأرض، وهي تئن أنين المحتضر، وتصعد الزفرات، فيسمع لها حشرجة أشبه بصوت مدية تخترق الأحشاء.
فأسرعت ماري وطوقتها بذراعيها، ثم أسندتها إلى صدرها، وهي تردد اسمها، وتتبعه بأحب الألقاب.
فأشارت روزه إلى صديقتها بتسكين قلقها، إذ لم تكن تقوى على النطق، وكان صدرها يصعد، ويهبط بسرعة، فيعسر عليها التنفس.
ولبثت برهة على تلك الحال عرضة للتأثر والانفعال، ثم انحل عقد دموعها النحيب والشهيق حتى نزفت عبراتها، فأطبقت أجفانها، ومالت برأسها على كتف صديقتها، وساد السكون حينا، استردت به روزه شيئا من القوة، ففتحت عينيها، ونظرت إلى ماري فرأتها تبكي، وعلائم التأثر بادية على محياها، وجملة هيئتها تدل على سلامة طويتها، وخلوص ودها، حتى ليخال الرائي أنها مستعدة لبذل النفس والنفيس في سبيل إنقاذ صديقتها، وإزالة الأسباب التي تؤلمها.
অজানা পৃষ্ঠা