هو ذا مركز أعصاب المدينة، وإنك لتجد هنا، فوق ما ذكرت - بين الجسرين - أشتاتا من روح بغداد الاجتماعية والدينية، فإن شارع المستنصر يبدأ بالمقاهي، وينتهي بالمساجد، وبين هذه وتلك وحولها طواحين التجارة والدعارة. أجل، إن بين الجسرين محط رحال قافلة الروح البغدادية، إن بين الجسرين بيت قصيد المدينة ...
أظل أرعه نجومل ليل بسماي
ولي ناظر يهلل دمع بسماي
ألج بسمه وعيبن يلج بسماي
أون عليه ليه مي ون عليه
وهذه التي ترعى نجوم الليل، وتلهج باسم الحبيب، وتئن عليه، هي إحدى مغنيات بغداد الشهيرات، وأكثرهن يهوديات، تجلس كل ليلة على عرشها في المقهى الذي في الطابق الأعلى، على زاوية شارع المستنصر - بين الرصافة والجسر - وتصيح بأعلى صوتها صيحات منكرات فظيعات: أظل أرعه نجومل ليل بسماي!
شارع المستنصر (تصوير الدورادو).
فتسمعها نجوم الليل في السماء، فتئن منها، ويسمعها أهل بغداد، فيئنون معها ويتأوهون. مسكينات تلك النجوم! كم ينقصها من العلم لتحسن تقدير هذا الغناء البغدادي القديم.
قلت ذلك مرة، وأنا واقف على الجسر، بينما كانت أشعة القمر ترقص على الأمواج، سمعت صوتا يوبخني قائلا: وهل تظننا نرقص طربا؟ أفلا يرقص الطير مذبوحا من الألم؟ فحتىام التهكم منك؟ وإلام أنت ماض فيه؟ أوليس هذا الغناء صياحا بصياح؟ بل هو صياح جراح، ونواح فضاح! تعال ارقص معنا على هذه الأمواج ...
علي بعد هذا أن أقول: إن ما أسمعتك من المغنية المشهورة هو من القديم القبيح في الغناء. ولا جديد اليوم في بغداد غير ما يجيء في الفونوغراف من سوريا ومن مصر، إذن دع الجالسة على عرشها، بين الرصافة والجسر «ترعى نجومل ليل وتون.»
অজানা পৃষ্ঠা