ثم قص عليه الرجل كيف قصد إلى دار الطلبة كما أمره سيده، وكيف وصف له البواب مسكنه الجديد، ولكن محجوب لم يسمع شيئا، كان يرتدي ثيابه بسرعة وهو يقول لنفسه: ماذا هنالك؟! ... أيمكن ...؟! ولكن بهذه السرعة! ... إنه لسحر مبين! ... هذه المرأة إمبراطورة ... بل شيطانة ... بل إلهة ... آه ... لشد ما أخاف أن تكون الدعوة لسبب آخر فيضيع هذا السرور الجنوني سدى! ... ولكن لأي سبب يدعوه إن لم يكن لهذا؟ ...
وذهبا إلى الوزارة فبلغاها في منصف الثانية عشرة، وقصد إلى حجرة الإخشيدي، فاستقبله هذا بلطف لم يعهد مثله من قبل، وأمر الساعي ألا يأذن لأحد حتى يأمره، وجلس محجوب على كثب منه، فالتفت إليه الرجل بوجهه المثلث الهادئ، ولكن كان الهدوء هذه المرة قناعا يخفي انفعالات عارمة، وقال مبتسما: دعوتك لأمر خاص بمستقبلك!
هي الكلمة المرجوة! ... لن يضيع السرور سدى ... وغلبه الانفعال، فقال بصوت متهدج: لم أفرغ من المقال بعد! - دع المقال الآن، وانس إكرام نيروز. سنحت فرصة أجل فائدة، كالثمرة الدانية تروم من يقطفها ...
فتساءلت عيناه المحملقتان، وقال وهو يزدرد ريقه: بعونك أقطفها!
فتريث الإخشيدي متفرسا في وجهه بدهاء لم يلاحظ الآخر - لم يلاحظ شيئا - ثم قال: وجدت وظيفة.
وساد صمت وقد تورد الوجه الشاحب، فاستدرك الإخشيدي: درجة سادسة! - سادسة! - سكرتير.
فتساءل لاهثا وهو لا يصدق أذنيه: سكرتير من؟
فأشعل الإخشيدي سيجارة، غير راحم لهفة صاحبه، وقال متغافلا عن سؤاله: الفرصة الجميلة كنز لمن يهتبلها، حسرة للمتردد. أتذكر كيف كان فيضان المسيسبي من سنوات بركة على قطن بلادنا البائر؟
فاحترق الشاب لهفة وقال بعزم أكيد: محال أن أتردد يا سعادة البك.
فسر الإخشيدي لتلهفه، واطمأنت نفسه القلقة بعض الشيء، ثم قال: سبق أن أفهمتك أنك يمكن أن تأخذ إذا رضيت أن تعطي!
অজানা পৃষ্ঠা