প্রাচীন ও আধুনিক

মুহাম্মদ কুর্দ আলী d. 1372 AH
89

প্রাচীন ও আধুনিক

القديم والحديث

জনগুলি

ولذا أرسلنا ساقينا للريح، ساعة بلغنا أن الحكومة المحلية في سورية تريد القبض علينا على نحو ما قبضت على شقيقنا أحمد المدير المسئول لجريدة المقتبس، فسرنا (يوم 17 نيسان (أبريل) 1912) بدون ريث بين حدائق صالحية دمشق، حتى بلغنا الزاوية الغربية الشمالية منها في المكان المعروف بقبة السيار، ومنها قصدنا إلى دمر من طريق الجبل مشيا على القدم، ثم انصرفنا من دمر إلى المزة بالتصعيد في الجبل أيضا، وهناك اختبأنا في إحدى قرى وادي العجم أياما، حتى تهيأت لنا أسباب الهزيمة على حصان في صحابة صديق لنا قديم ، رافقنا من أقصى حدود وادي العجم، فمررنا من طريق معوج اجتزنا فيه أرض المزة وبلاس والأشرفية وصحنايا والدرخبية والطيبة وشقحب، ثم دير العدس والحارة من قرى إقليم الجيدور المعروف عند الإفرنج بإيتورة، حتى بلغنا النقرة من بلاد الجولان التي يسميها الفرنجة غولانيتيد، فرقدنا بالقرب من نهر الرقاد، وكنا هومنا في الليلة الفائتة على مقربة من نهر الأعوج المعروف في الكتب المقدسة باسم فرفر من عمل وادي العجم.

وفي الجولان اتصلنا بجماعة من تجار الإبل ذاهبين إلى مصر، فسايرناهم، وقطعنا سهول الجولان ومراعيه، وبتنا في الليلة الثالثة دون عقبة فيق، ومن الغد هبطنا العقبة وهي لا تقل عن ساعتين، وتعد من أعظم عقاب بلاد الشام، ومنها يشرف المرء على أراضي الغورغور بيسان وبحيرة طبرية ونهر الشريعة أي الأردن، وليس على هذا النهر العظيم سوى جسر قديم متداع وجسر بنات يعقوب، فقطعنا الأول سباحة على الدواب، ثم توقلنا الجبل إلى موقع الدلايكة، وهو واد بين جبلين منفرجين متآزيين من عمل طبرية عاصمة الأردن القديمة، بل عاصمة الجليل، أصبح أكثره ملكا للصهيونيين من مهاجرة الإسرائيليين الأوروبيين يستنبتونه ويستثمرونه على طريقتهم المتعارفة في ديار الغرب، حتى لقد تحس للحال بالفرق بين زراعة الوطنيين وزراعة المهاجرين، فقرية بما ملكهم أرقى بزراعتها مرات من قرية كفر سبت وسكان هذه من مهاجرة الجزائر، فبتنا تلك الليلة في سوق الخان بلد الصبيح على ساعتين من الناصرة وفي سفوح جبل الطور المشهور في التاريخ المسيحي.

وفي اليوم الرابع اجتزنا غابة غبياء من شجر البطم، فرأيناها آيلة للخراب كما تئول الآن غابات الشام كلها، اللهم إلا ما كان من غابات لبنان التي تزيد ولا تنقص، وقطعنا هذه الحراج في ساعة ونصف حتى بلغنا قرية دبورية، وفي منقطع أرض هذه الدسكرة يبتدئ مرج ابن عامر أو سهل يزرعيل المذكور غير ما مرة في التوراة، قطعناه بالعرض في أربع ساعات حتى بلغنا قرية اللجون، ومنها دخلنا في وادي عارة من عمل نابلس، وطوله ثلاث ساعات، وهو ضيق النطاق متوازي الأضلاع حصب الرباع ، وفي آخره كان آخر عهدنا بجبال الشام، إذ لم نعد نرى بعده جبلا يذكر حتى بلغنا أرض مصر في جهات العريش وقطية، فلمحنا عن بعد جبلا في الرمال يسمونه جبل الحلال، وبتنا الليلة الخامسة في عيون الأساور على ساعتين من قيسارية،

2

وهي قرية يسكنها مهاجرون من البوشناق، وكانت من المدن الكبرى العامرة في القديم، وفي اليوم السادس اجتزنا قرى بلاد نابلس مثل: قاقون، وقلنسوة، والطيرة، ومسكة حتى بلغنا نهر العوجاء على ساعة ونصف من يافا، وعنده حططنا رحالنا، وطريق هذا اليوم والذي قبله عامر بالحبوب، ويكثر الزيتون في بلاد نابلس إحدى أمهات مدن السامرة من كور فلسطين،

3

وتقل المياه حتى يضطر الأهلون أن يستقوا من أماكن بعيدة، وفي اليوم السابع اجتزنا بقرى الساحل أمثال جبنة، سدود، مجدل، بربرة، بئر هديهد، غزة، وقضينا الليل في دير البلح، وفي اليوم الثامن بدأ سيرنا في رمال على نحو ثلاث ساعات من غزة، وبعد أن سرنا ست ساعات دخلنا في رفح أول حدود مصر والشام، وقد كانت تنتابني الهواجس تلك الليلة، أحاذر أن أقع في يد عدو للحرية أو أن أجالس من يستدل بذكائه على أنني لست من تجارة الإبل في العير ولا في النقير، أو لا ناقة لي في ذلك القطيع ولا جمل، فما فتحت عيني قبيل الغسق، إلا وأنا أنشد بيت المتنبي:

تدبير ذي حنك يفكر في غد

وهجوم غر لا يخاف عواقبا

فتفاءلت خيرا بالنجاة، وإن كنت لا أحب التفاؤل ولا التشاؤم، ولا أبني أعمالي على الأحلام والمرائي، حتى إذا قيل لي: ها أنت في رفح تدوس تربة مصر، قلت: ما أحراها أن تدعى فرحا لا رفحا؛ ليكون لكل شيء من اسمه نصيب، ولا غرو، فليس أحلى من النجاة على من كان يتوقع الخطر، أو من الوصل على من طال به السهاد والسهر.

অজানা পৃষ্ঠা