ويبلَّغ السلامَ من البعيد، ليس مقصودُهُ أمر الأمة بأن يأتوا إلى القبر ليسلموا عليه عند قبره (١)، فإنه لم يأمرهم بذلك، إنما أمرهم بالسلام عليه في الصلاة، وذلك أفضل وأكمل له ولهم؛ وذلك لأن سلام التحية مشروع لمن أتى لحاجة كما كانوا يأتونه في حياته فيسلّمون عليه، وكذلك من دخل (٢) إلى بيته يسلّم (٣) عليه، وأما أن يقصد إتيانه لأجل ردّه، فهذا غير مشروع، لا في حياته، ولا بعد موته.
ولهذا اتفقوا على أنه لا يشرع لأهل المدينة إذا دخلوا وخرجوا، ولو كان (٤) هذا كالسلام في الصلاة لكان مستحبًّا لأهل المدينة، ولكن السلام عليه لمن قدم جائزٌ مشروعٌ باتفاق العلماء، وإنما النزاع: هل يستقبل به الحجرة، أو القبلة؟ وهل هو السلام المأمور به في القرآن كالصلاة عليه، أو هو سلام /١٩أ/ التحية، الذي يشترك فيه جميع المؤمنين، الأحياء، والأموات؟
وقد تنازع العلماء: هل يُكره أن يُقال: زرت قبر النبي ﷺ؟ على قولين: فكره ذلك مالك وغيرُهُ، بل وكره أن يقال: طواف الزيارة. وللناس في تعليل ذلك أقوال:
قيل: لأن الزائر أفضل (٥)، وقيل: لكراهة زيارة القبور، وقيل: يكره أن يُقال: زرت قبره، ولا يكره أن يقال: زرته، وقيل: لأن زيارة قبره ممتنعةٌ، فإن زيارة قبره إنما تكون إذا دخل إلى بيته، حيث دفن، وهذا ممتنع، وإنما الممكن أن يأتي مسجده، ومسجده يؤتَى لكونه مسجدًا، لا لأجل القبر، لكن يسلّم عليه في مسجده كما كان يُسلّم عليه في مسجده في حياته؛
_________
(١) في خ٢: (عنده) بدل (عند قبره) .
(٢) في خ٢: (يدخل) .
(٣) في خ٢: (سلم) .
(٤) في خ٢: (أن) .
(٥) علق في هامش الأصل بقلم مغاير: (قوله: لأن الزائر أفضل. انظر ما وجه أن الزائر أفضل من المزور، وهل هذا على إطلاقه؟) .
1 / 58