فعبثا يسعى المحب الذات ليراه الناس مخلصا للجماعة، وأن يروا فيه رجل تضحية وإحسان، فالوعاء بما فيه ينضح، ومن ادعى بما ليس فيه تجيء ساعة تكذبه فيها أفعاله. وأقلنا عقلا من يظن أنه يكذب علينا وهو لا يكذب إلا على نفسه.
كان الأجدر به أن يهذبها ويروضها على مكارم الأخلاق، فذاك خير له من إفناء الزمان عاملا على التحلي بأخلاق أفاضل الناس، والفضل منه براء.
إن جهود الإنسان، مهما بذل منها، لا تقوى على إخفاء الحقيقة، ولا تستطيع قوى البشرية جمعاء على إطفاء نورها مهما كان ضئيلا. فأولى لنا ثم أولى أن نعتصم بكل ما هو حق؛ لأنه أنفع لنا وأجدى من القناطير المقنطرة من الرياء والكذب والنفاق، وقد قال شاعرنا وما أصدق ما قال:
ثوب الرياء يشف عما تحته
فإذا اكتسيت به فإنك عار
فإذا ادعيت الشجاعة، وأنت جبان، يطير قلبك هلعا وفزعا عند أول تلويح وإيماء، فلا بد من أن تأتي ساعة يبين فيها جبنك، والذي تحاول إخفاءه عن الناس.
كان لنا - في ذلك الزمان - رفيق مدرسي يطيب له أن يحدثنا دائما عن فعاله الجبارة في لقاء الحيات، قلما نجت منه حية - كما ادعى - حتى خلنا أنه يقبض على حية موسى كما يقبض على فراشة. من يتمنى أن يلقى حية ؟! نحن ... كنا نتمنى أن نراها وصاحبنا معنا؛ لنرى ما يكون منه. ظل رفيقنا ذاك لا يدع فرصة تمكنه من الابتهار إلا انقض عليها وصفع آذاننا بقصصه. وكنا ذات يوم نتلقى درسا، فمررنا على بيت جرير:
لقد زعموا أن الفرزدق حية
وما قتل الحيات من أحد قبلي
فقال: فشر، ماذا عمل جرير؟!
অজানা পৃষ্ঠা