أليس من المؤسف المخجل أننا لا نزال في لبنان نعبئ أوراقا تقسم تلاميذنا طوائف، كما كنا في عهد الانتداب ... إن تفريقنا طوائف لهو علة العلل، ويكفي أنه لا يرينا إلا وجوها لا تتغير. كأن الوظائف لعبة دومنو، الحجارة هي هي، ولا يتغير إلا صفها. أو أنها «الزهر» في لعبة الطاولة إذا كانت الدائرة أضيق، ومن طاف زهره ربح الدق، وباعنا بالدشش ... (7) الشعوب لا تفنى
إلى ك. صليبا، بيروت:
أشكرك على ثنائك العاطر ... ولا أنشر كل رسالتك ولا بعضها، ولكني أجاوبك، أما قال جميل بن معمر: لكل خطاب يا بثين جواب.
لا تتعجب من وثبة مصر الجبارة، فتاريخ الأمة خميرة نهضتها، ورجاء وثبتها، والأصل عون، كما يقول أبوك وجدك يا كامل.
أرأيت كيف تمشي الكهرباء في الأسلاك؟ كذلك تمشي روح العبقري المفرد في أمته الأصيلة، وهذا هو جمال عبد الناصر. إن تاريخ الشعوب هو تاريخ فرد، فالمجموع لا يفكر، ولكنه يمشي كما تعود، متى دعي. أما الفرد فهو الذي يشغل عقله، والعقل خلاق، فلو لم يكن على رأس مصر هذا الدماغ الكبير، ذو الإرادة الفولاذية، لنامت مصر تحت الضربة.
إن الشعب المصري، على بذاذة سواده الأعظم، شعب عريق أصيل، وضع عباقرته الأوائل أول حجر في بنيان صرح المدنية. ومن يدريك أنه ليس في عروق من يسمونه ابن البلد ملكا فرعونيا عربيا. إن الشعوب لا تفنى ولا تموت أبدا، ولكنها تضحي بنفسها؛ لتحيا هي أو ليحيا غيرها، وهذه مهمة الحياة التي تجدد نفسها بإفناء جنس ما؛ ليقوم جنس أصلح.
فيا عزيزي صليبا:
على الأمم ألا تأسف على أمجادها التي ذهبت. إنها لم تذهب، بل هي باقية الجوهر، فانية العرض، وهذا ما يوضحه لنا المثل العامي القائل: عرق الأصل نزاز.
أما الفناء والاندثار، فأشبه بتقطير الزهور والكحول. العماشيش تذهب، والخلاصة تبقى. والحضارات ليست من عمل جنس واحد، أو أمة واحدة. فالوحدة الحقيقية هي خلاصة الأجيال والدهور، ولكل جيل فيها عمل حتى عاد وثمود وطسم وجديس. وقد جاء في الآيات الكريمة:
إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس .
অজানা পৃষ্ঠা