أهل الفترة ومن في حكمهم
أهل الفترة ومن في حكمهم
প্রকাশক
مؤسسة علوم القرآن - عجمان،دار ابن كثير
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٨ م
প্রকাশনার স্থান
دمشق - بيروت
জনগুলি
أهل الفترة ومن في حكمهم
تأليف
موفق أحمد شكري
قَدَّمَ له
د. عباس محجوب
محمد عبد الله الخطيب
مؤسسة علوم القرآن
عجمان
دار ابن كثير
دمشق - بَيروت
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
أهل الفترة ومن في حكمهم
1 / 3
حُقوق الطبع محفوظَة
الطبعَة الأولى
١٤٠٩هـ-١٩٨٨م
إعتنى بتصحيحه
سمير أحمد العطّار
عجمان -الإمارات العربية المتحدة- ص. ب ١٢٤٣ - تليفون ٤٢١٥٤٣
دار بن كثير
دمشق -شارع مسلّم البارودي- بناء خولي وصلاحي -ص. ب ٣١١ - هاتف ٢٢٥٨٧٧
بيروت -ص. ب ٦٣١٨/ ١١٣
1 / 4
تقْدِيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن سيدنا ونبيّنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده. فجزاه الله خير ما جزى نبيًا عن أمته.
وبعد:
فمن الأمور المسلّمة في فكر المسلمين وقلوبهم أن الإِسلام هو الدّين الذي ارتضاه الله ﷾ لعباده، وأنه جاء مكتملًا مكمِّلًا للرسالات التي جاء بها رسل الله لعباده، متتابعين داعين إلى فكرة واحدة هي إخلاص العبادة لله ونبذ الطواغيت والأصنام ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦].
جاء الإِسلام وقد وصلت البشرية لرشدها وأصبحت حاجتها ماسّةً لدين سماويّ جامعٍ كاملٍ لا يختص بأمة دون أخرى ولا بمكان دون آخر ولا بزمان دون زمان. فكانت رسالة سيدنا محمد الرسالة الخاتمة الشاملة التي ارتضاها الله لعباده ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
1 / 5
وكمال الرسالة وعموميتها تقتضي استمرارها في كمالها وسموِّها سليمة بعيدة عن التحريف، محافظة من الضياع، سالمة من النقص، لأن الرسالة قد وصلتنا كما هي وكما أنزلت على خاتم الرسل والنبيين؛ فكان من حق الأجيال علينا أن ننقلها إليهم كاملة صحيحة حتى نلزمهم الحجة ويتحملوا تبعات التكليف ومسؤوليات الرسالة ونتائج العمل من ثواب وعقاب نتيجة وصول التكليف إليهم بصورة صحيحة سليمة، فالله ﷾ يقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥].
وهدف المسلمين في هذه الحياة أن يحققوا معنى العبودية لله ﷾ قيامًا بأعباء الاستخلاف في الأرض وتعمير الكون، وسيادة منهجه فيه، وأداء الأمانة المسؤولية التي حملها الإِنسان بعد أن أبَتِ السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: ٧٢].
ومن هنا كانت أهمية هذا الكتاب عن "أهل الفترة" وهو بحث نال به مؤلفه درجة الماجستير في جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية في الرياض.
وأهمية هذا الكتاب في أنه يلبي حاجة ماسّة في الفقه الإِسلامي المعاصر، وفي المكتبة الإِسلامية، فالمسلمون اليوم -وبعد أن زالت الفوارق بين الأمم والشعوب بفضل وسائل الإِعلام والتطور في مجال النقل والمواصلات- يواجهون بمشكلات مختلفة يحتاجون لرأي الإِسلام فيها ووضوح الرؤية في شأنها، ومن هذه المشكلات مشكلة الذين لم تصلهم الدعوة؛ ما مصيرهم؟ وما حكمهم؟.
وقد أشار الباحث إلى الأسباب التي دعته للكتابة في هذا الموضوع، فذكر جدة الكتابة فيه، حيث لم يفرد الموضوع ببحث مستقل أو كتاب يتناوله بالتفصيل، إضافة إلى اختلاف آراء الفقهاء في مصير من لم تصلهم
1 / 6
الدعوة، ثم أهمية الأحكام المترتبة على من لم تبلغهم الدعوة.
وأهمية هذا الموضوع أنّ أناسًا كثيرين في إفريقيا وآسيا والدول الأوروبية لم تصلهم دعوة الإِسلام، وكثير من المسلمين الذين أسلموا في أمريكا يتحدثون عن سماعهم بالإِسلام مصادفة أو في فترة متأخرة، وذلك لأسباب كثيرة، منها:
- تقصير المسلمين في تبليغ دعوتهم للناس واستغلال الوسائل التي أتاحتها الحضارة المعاصرة والتي يستغلها المبشرون في هدم الإِسلام وتنصير المسلمين.
- ومنها ضعف إمكانات المنظمات والأجهزة والجمعيات التي تعمل في مجال الدعوة الإِسلامية لإِحجام المسلمين عن بذل أموالهم وإمكاناتهم في سبيل الدعوة إلى الله إلا من رحم الله، إضافة إلى أن المسيحية لها دولة في العالم تعمل لها وتنشرها، ولها دول تساندها وأجهزة تقويها ورؤوس أموال ضخمة تستثمر وتوجَّه لها، والإِسلام في حاجة إلى دول تساند، وحكومات تخلص، وأثرياء يسخون، ودعاة يتجرّدون إلى الله ويعملون لنشر دينه ومُثُله وتعاليمه ومنهجه الذي ارتضاه لعباده.
- ومنها محاربة قوى الكفر مجتمعة للإِسلام والمسلمين وتسخير إعلامهم وأقلامهم، وأموالهم وجيوشهم دون وصول الإِسلام إلى أممٍ وشعوب لو علمت بالإِسلام لآمنت به واتخذته نظامًا لحياتها ومنهجًا لوجودها.
- ومنها تفرُّق المسلمين واختلاف كلمتهم وتباين أفكارهم ومناهجهم، وابتعادهم عن دينهم ونبذهم شريعة ربهم، إضافة إلى ابتعادهم عن جعل الإِسلام نظامًا لحياتهم ونشره بين شعوبهم ليكون نبراس حياتهم ومجتمع كلمتهم وتوحُّد دولهم في دولة واحدة.
وقد قسم الباحث بحثه إلى مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، وقد فصّل
1 / 7
ذلك في مقدمته بما لا يحتاج معه إلى تكرار لما ذكر، غير أننا نشير إلى قضايا هامة مهّد بها لخدمة موضوعه، أهمها: حاجة البشرية للرسل وحكمة الله في إرسالهم، وكيفية الرسالات السابقة لرسالة خاتم الأنبياء، حيث كانت البشرية في مراحل التطور والنضوج، مما جعل للرسالات خصوصية سواء في الناحية الزمانية أو المكانية، وعندما بدأت مراحل النضوج البشري، جاءت رسالة سيدنا محمَّد ﷺ للبشرية كافة وللإنسانية عامة، تحمل في طبيعتها ومنهجها ومتطلباتها ووسائلها طبيعة الرسالة الخاتمة والكلمة الأخيرة من خالق الكون لعباده، لتستمر هذه الرسالة موجهة للبشر قائدة للإِنسان ما دامت الحياة على الأرض، لذلك كله جاءت رسالةً كاملةً شاملةً دائمةً تلبي حاجة الإِنسان في الأرض، وتوجِّه سلوكه فيه، وتقوِّي صلته بالله، وتلبي أيضًا حاجات الإِنسان فيما بعد الحياة الأولى. وهذا ما عالجه في الفصل الثالث من الباب الأول.
وفي الباب الثاني عالج الباحث قضية بحثه بادئًا بتحديد مصطلح أهل الفترة، ذاكرًا مدلوليه اللغوي والإِصطلاحي، مبيِّنًا آراء العلماء من الفقهاء والمفسرين، مرجِّحًا ومفاضلًا بين هذه الآراء، متَّبعًا الطريقة العلمية في آرائه، ثم أشار الباحث إلى قضايا هامة تتعلق بموضوع البحث ويتعلق بالملحقين بأهل الفترة من أطفال المشركين والمجانين وذوي العاهات.
وهو في كل القضايا التي أثارها يلتزم ببيان الحكم الشرعي، مبيِّنًا آراء العلماء، مرجحًا بينهم؛ الأمر الذي يظهر شخصية الباحث في بحثه واستيعابه لموضوعه وحرصه على أن يقدم خلاصة الآراء للقارىء.
في الباب الثالث ناقش قضيةً هامةً أيضًا، وهي حكم من لم تبلغه دعوة محمَّد ﷺ في عصرنا متناولًا مسؤولية الأمة في تبليغ الرسالة إذ بها تتميز هذه الأمة بالخيرية التي ربطها الله ﷾ بوظيفة البلاغ المبين والأمر بالمعروف الأكبر، وهو سيادة منهج الله وشرعه ودينه، والنهي عن المنكر الأكبر وهو أن تكون الحاكمية لغير الله، والمناهج من صنع البشر.
1 / 8
حيث أن واجب الدعوة واجب على المسلمين وجوب كفاية حتى تقوم به جماعة تحقق قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] وقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ [التوبة: ١٢٢].
وقد بيّن الباحثُ الوسائلَ التي أتاحها الله للمسلمين في عصرنا والتي تسهل لهم مسؤولية البلاغ وإيصال الحقائق للبشر عن طريق وسائل الإِعلام والأقمار الصناعية والكلمة المقروءة والمسموعة وعمليات الاتصال الجماعي والفردي.
ولم ينس الباحث أن يقدم في نهاية بحثه مقترحات عملية للمنظمات والحكومات والجامعات الإِسلامية، حتى تقوم كل جهة بواجبها المقدس الذي يبرِّئها أمام الله ﷾، ومنطلَق ذلك كله معرفة الإِسلام معرفة صحيحة بعيدة عن البدع والأهواء.
والبحث بصورة عامة يلبي كما قلتُ حاجةً في المكتبة الإِسلامية، ويمثل لبنةً من لبنات البناء الفكري للإِنسان المسلم.
وإذا كان الباحث قد سُبق إلى طرح كثير من القضايا التي تناولها في كتب الفقه والتفسير والدعوة؛ فإن الفضل له بعد الله ﷾ وهدايته في إفراد هذا الموضوع ببحث يكون مرجعًا لطلاب العلم وناشدي الحقيقة، أسال الله أن يجزيَه خيرَ الجزاء وأن يعمّنا معه بفضله وإحسانه ومغفرته إنّه سميع مجيب.
د. عبّاس محجوب
1 / 9
تقديم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين. والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيطيب لي أن أقدم لهذه الرسالة لمكانة صاحبها ومنزلته من نفسي، ولأهمية الموضوع الذي تعرض له بالبحث والدرس والتحليل وهو: أهل الفترة ومَن في حكمهم.
والرسالة صدرت عن جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية وبإشراف عالم فاضل: الأستاذ/ عبد العزيز الراجحي. وهذا يزيد في مكانتها العلمية، وقيمتها الإِسلامية والأدبية. ولقد كان الأخ الفاضل الأستاذ موفق أحمد شكري ... موفقًا في اختياره لهذا الموضوع الذي يكثر السؤال عنه.
فجزاه الله خيرًا على إلقائه الضوء على هذا الجانب، وقد أشار في مقدمته إلى الأسباب التي دعته لاختياره لهذا الموضوع، ومنها -عدم الكتابة فيه كتابة مستقلة، واختلاف الناس فيه، ووجود أقوام لم تبلغهم الدعوة ونريد أن نعرف مصيرهم وحكمهم، ومسؤولية الأمة عن تبليغ الرسالة.
وقد تحدث في الباب الأول عن حاجة البشرية للرسل وأشار إلى قصور العقل البشري، وأنه لابد له من وحي إلهي يقوده ويهديه سواء
1 / 11
السبيل وبيّن أن حاجة الناس إلى الرسالة والرسل أكثر من ضرورية ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥].
ثم تحدث في الفصل الثاني عن خصوصية دعوة الرسل الذين سبقوا خاتم النبيين والمرسلين ﷺ وهي خاصة بأقوام معنيين وبزمان محدد.
تجمعهم جميعًا الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبودية له وإفراده سبحانه بالألوهية والربوبية، ثم دعوتهم إلى اجتناب الأصنام والأوثان، والإِيمان باليوم الآخر. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٦].
فشاءت حكمته تعالى ورحمته بالناس أن يبعث إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين، وشاء الحق سبحانه ألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والبيان والتبليغ قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥].
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن عموم رسالة سيدنا محمَّد ﷺ الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠] ويقول ﷾: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].
وتحدث المؤلف عن عالمية الرسالة المحمدية التي انبثقت من جزيرة العرب، وهي تحمل العقيدة الصحيحة والعبادة السليمة. والأخوة والمساواة. والحرية لكل بني آدم بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو اللغة.
1 / 12
وتضمّن الباب الثاني عدة فصول. تدور كلها حول موضوع الكتاب: بيان المقصود بأهل الفترة، وحكم مطالبتهم بأحكام الأنبياء السابقين. ثم أشار إلى الملحقين بأهل الفترة في الحكم؛ وهم أطفال المشركين، والمجانين وذوو العاهات، وأفاض المؤلف في بيان أهل الفترة وذكر أقوال العلماء وناقش أدلتهم ورجح ما جاء في جمع الجوامع للسبكي؛ أن أهل الفترة من كانوا بين رسولين لم يرسل إليهم الأول ولم يدركوا الثاني ... وهذا التعريف يجعلها عامة لا تخصص بقوم من الأقوام ولا بزمان من الأزمنة، بل كل من انطبق عليهم هذا التعريف فهم أهل فترة.
وأوضح هذه الفترات وأبرزها هي التي كانت بين سيدنا عيسى ﵇ وسيدنا محمَّد ﷺ.
وقد أشار المؤلف إلى أقوال العلماء في حكم أهل الفترة وأشار إلى الحكم الشرعي، وهو خطاب الله المتعلق بأحكام المكلَّفين وشروط المكلَّف: أن يكون قادرًا على فهم الدليل، وأن يكون أهلًا للتكليف، وأن يكون عالمًا بما كُلِّف به ليستطيع الفعل أو الترك.
ثم تحدث عن أقسام أهل الفترة: من بلغته الدعوة ووحّد ولم يشرك، ومن بلغته ولكنه غيّر وأشرك. وأورد أمثلة لكل نوع وحكمه وأقوال العلماء فيه.
ثم رجح القول: أن أهل الفترة يُمتحَنون في عرصات يوم القيامة، فمن أطاع الله نجا. وأشار إلى هذا القول بأنه المختار وهو الذي قال به السلف وجمهور الأئمة. واختيار الإِمام ابن تيمية وابن كثير وابن حجر.
وحكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وقد عدّد أدلّتهم من الأحاديث الصحيحة ومنها ما رواه أحمد في مسنده .. أن رسول الله ﷺ قال: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة.
1 / 13
فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإِسلام وما أسمع شيئًا.
وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإِسلام والصبيان يخوفونني بالبحر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإِسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني كتاب ولا رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار. فوالذي نفس محمَّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا. وفي رواية: "ومن لم يدخلها سُحب إليها".
وبعد أن أفاض في هذه المسألة واستوفى أدلتها قال: "وبعد التأمل والنظر أرى أن أقرب الأقوال إلى الصواب هو القول الثالث وهو أن أهل الفترة يُمتحنون".
ثم تحدث عن الملحقين بأهل الفترة من أطفال المشركين والمجانين وذوي العاهات. وأشار إلى نظرة الإِسلام إليهم وأقوال العلماء وأدلتهم. ثم رجح القول أنهم في الجنة.
وتضمن الباب الثالث: حكم من لم تبلغهم الدعوة المحمدية وعلى من تقع مسؤولية عدم تبليغهم. وما هي الطرق التي تؤدي إلى إيصال الدعوة إلى جميع الناس مؤيدًا كل ذلك بالدليل الواضح من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
وأشار إلى أن خيرية هذه الأمة تكمن في قيامها بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله وحده، والبراءة من الشرك بألوانه وأنواعه، والواجب على كل مسلم أن يقف على ثغرة من ثغور الإِسلام.
وحين سُئل الإِمام ابن تيمية عن قوله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي﴾ فقال الدعوة واجبة على كل من اتبع هذا الرسول ﷺ وهم أمته، وعليهم أن يدعوا إلى الله كما دعا النبي ﷺ.
وهذا الواجب واجب على مجموع الأُمة، وهو فرض كفاية إذا قام به
1 / 14
البعض سقط عن الباقين، فالأمة كلها مخاطبة بفعل ذلك.
ثم تحدث عن الطرق المؤدية لإِيصال الدعوة إلى جميع الناس؛ فتحدث عن الإعلام بمعناه الصحيح. وهو إيصال الحقائق والأخبار والمعلومات الصحيحة إلى الناس، والتوجيه السليم الذي يتناسب مع عقيدتنا وشريعتنا حتى يصل صوتنا إلى العالم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وأشار إلى أنواع الإِعلام المختلفة من مسموعة ومقروءة ومرئية. وتحدث عن القدوة الحسنة وأثرها في الدعوة، وعن الجهود الشخصية وما لها من أثر كبير في نشر الدعوة. وتحدث عن المحاضرة والخطبة والدرس والجدال المثمر البناء للوصول إلى الحق بأسلوب وضوابط الإِسلام. وتحدث عن أثر الدعوة الفردية، وتوجيه الدراسات الإِعلامية إلى الإِصلاح. وختم كلامه: بضرورة الجهر بالحق، والإصرار على عالمية الدعوة الإِسلامية، وتوجيه كل وسيلة صالحة للإِعلام النظيف إلى سلطان الدعوة تمكينًا لها من الذيوع والانتشار وتوضيحًا لسموّها وتفوّقها.
وجاء الفصل الأخير في الكتاب عن الخلاصة، وقد تضمن موجزًا لما ورد في البحث من آراء ومسائل حول هذا الموضوع الهام والحيوي.
وأرى أن المؤلف حفظه الله قد وُفِّق في بحثه هذا، وجمع من الأدلة والبراهين حول المسألة الواحدة ما يكفي لتوضيحها، كما وُفِّق أيضًا وهو يخرج الآيات والأحاديث، ويثبت المصادر التي استقى منها، وهي أمانة علمية طيبة.
وإني لأدعو إخواني من طلاب العلم أن يهتموا بهذا الموضوع وأن يستفيدوا كثيرًا مما كتبه الأستاذ الفاضل الشيخ موفق، فهذا الموضوع يسأل عنه الناس كثيرًا، وعلى العالِم أن تتضح هذه المسألة وغيرها في ذهنه -حتى يتمكن من تفهيم غيره بالدليل المقنع والحجة والبرهان ....
1 / 15
ولقد سعدت كثيرًا وأنا أراجع هذه الرسالة واستفدت كثيرًا مما ورد فيها من علم نافع ورأي سديد.
جزى الله الأخ موفق كل خير وجعل هذا في ميزان حسناته يوم يوزن دم الشهداء بمداد العلماء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمَّد عبد الله الخطيب
1 / 16
مقَدّمة المؤلف
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلِّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
إن الإِسلام بعقيدته السمحة، ونظامه الشامل الكامل صالح لكل زمان ومكان، وعقيدة الإِسلام هي "لا إله إلا الله محمَّد رسول الله" ومعناها أنه لا عبودية بحق إلا لله تعالى اعتقادًا وتصوُّرًا. قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾ [الذاريات: ٥٦].
والعبودية هي أن تؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تقيمَ وتُحِلَّ الحلالَ، وتُحَرِّمَ الحرامَ، وتقيم المعاملاتِ والتشريعاتِ والتوجيهاتِ الإِسلامية، هذه هي العبودية الحقة، وهذه هي عقيدة الإِسلام، التي تميّزت عن غيرها من العقائد الأخرى؛ فالإِسلام كلٌّ لا يتجزأ.
ومعنى ذلك أن لا نأخذ بعض أحكامه ونترك البعض الآخر، فإن الله ﷾ حذّرنا في كتابه العزيز من هذا التلاعب الخطير، فقال: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٨٥].
1 / 17
لذا أقول: إنه لا خلاص للبشرية كلِّها من هذا التيه والضياع إلا بهذه العقيدة؛ إن أرادت التخلّص من هذه الجاهليات التي طمست معالمها ودمرت خصائصها. فمن أوجب الواجبات على أصحاب هذه العقيدة أن يقوموا بالدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، لإِنقاذ هذه المجتمعات من جاهليتها التي تردّت إليْها فضاعَتْ وساءَ حالُها.
وليكن معلومًا لدينا أن هناك أقوامًا لا يعرفون عن عقيدة الإِسلام شيئًا، بل لا يعرفون من الدين شيئًا، فما أحرانا نحن المسلمين أن نبلِّغ ما أمَرنا الله به ﷾، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
فالدعوة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وشرط خيرية هذه الأمة هو القيام بهذا الأمر، ومن هنا تظهر لنا أهمية العقيدة الإِسلامية في حياة الناس.
ولما كان مقررًا على كل طالب يريد الحصول على درجة (الماجستير) أن يقدم بحثًا علميًا، فقد استقر رأي على موضوع "أهل الفترة ومن في حكمهم في العقيدة الإِسلامية".
سبب اختيار الموضوع:
إن في العقيدة الإِسلامية جوانب شتى تستحق الدراسة والبحث. ومن هذه الجوانب موضوع أهل الفترة، وهم الأقوام الذين لم تبلغهم الدعوة ولم يسمعوا برسالة نبي من الأنبياء، وهو بحق من الموضوعات التي تستحق الدراسة.
وعند ذكر الأسباب التي دعت للكتابة في هذا الموضوع تبرز لنا أهميته. ومنها:
١ - عدم الكتابة فيه كتابة مستقلة فيما أعلم، إلا ما وجد متناثرًا في الكتب،
1 / 18
فأردت بيان الحق في هذه المسألة الهامة بالجمع بين النصوص والترجيح بين أقوال العلماء ﵏.
٢ - اختلاف واضطراب الناس فيه.
٣ - وجود أقوام لم تبلغهم الدعوة، وبصفتنا مسلمين نريد أن نعرف ما هو حكمهم وما مصيرهم؟.
هذه الأسباب وغيرها دعتني للكتابة في هذا الموضوع.
منهجي في البحث:
١ - اعتمدت على المراجع والمصادر الأساسية في الموضوع.
٢ - تحرّيت الأمانة العلمية والدقة والصدق في عرض آراء العلماء بالرجوع إلى كتبهم ما أمكنني ذلك.
٣ - عرضت المسائل مع أدلتها، ثم ناقشت الأقوال فيها ورجحت القول المدعّم بالدليل الصحيح.
٤ - تجنبت الإطالة والإِطناب في الموضوعات والتعليقات.
٥ - أكثرت من الاستدلال بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لخطورة الموضوع.
٦ - قمت بترجمة الأعلام الذين ورد ذكرهم في الرسالة، وذلك بالرجوع إلى كتب التراجم.
٧ - حرصت على أن تكون الفهارس خير دليل للقارىء الكريم فوضعت الفهارس التالية:
أ - فهرس الآيات القرآنية.
ب - فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.
جـ - فهرس الأعلام.
هـ - فهرس المراجع.
و- فهرس الموضوعات.
هذا وقد جعلت البحث في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة.
1 / 19
المقدمة.
الباب الأول: مسؤولية الإِنسان متعلقة بإرسال الرسل. ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: حاجة البشرية للرسل والغاية من إرسالهم.
الفصل الثاني: خصوصية دعوة الرسل الذين سبقوا نبينا محمدًا ﷺ بالرسالة.
الفصل الثالث: عموم دعوة نبينا محمَّد ﷺ وبقاؤها.
الباب الثاني: بيان المقصود من أهل الفترة. ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التعريف بأهل الفترة.
الفصل الثاني: حكم مطالبتهم بأحكام الأنبياء السابقين.
الفصل الثالث: الملحقون بأهل الفترة. وفيه مبحثان:
أ - أطفال المشركين.
ب - المجانين وأصحاب العاهات.
الباب الثالث: حكم من لم تبلغه الدعوة المحمدية في عصرنا الحاضر، ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في وجود أقوام لم تبلغهم الدعوة.
الفصل الثاني: فيمن تقع عليهم مسؤولية عدم تبليغهم الدعوة.
الفصل الثالث: الطرق المؤدية لإِيصال الدعوة إلى جميع الناس.
الخاتمة: وفيها خلاصة البحث.
هذا ما أردت الكتابة به، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا عملنا هذا وأحمده سبحانه -وهو المستحق للشكر دائمًا- إذ أعانني على كتابة هذا البحث، فلله الحمد في الأولى والآخرة.
واستنادًا إلى الحديث الصحيح: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" (١):
_________
(١) رواه أبو داود والترمذي، وذكره السيوطي في جامعه وقال: حديث حسن. انظر فيض القدير ٦/ ٢٤٠.
1 / 20
أتقدم إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي أستاذ العقيدة في قسم الدراسات العليا بكلية أصول الدين، الذي بذل جهده ووقته من أجل إخراج هذا البحث على أحسن صورة، فأسأل الله تعالى أن يجزيَه خير الجزاء ويحفظه إنه هو السميع المجيب.
كما أشكر جميع الأساتذة الفضلاء الذين أسدوا إليّ المشورة والنصح، وأخص منهم الدكتور أحمد فرحات.
كما أشكر جميع الإِخوة الذين ساهموا في إخراج هذه الرسالة وأخصّ منهم أعضاء هيئة المكتبات والإِخوة الطلاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
موفّق أحمد شكري
1 / 21