Orientalists and Heritage
المستشرقون والتراث
প্রকাশক
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الثالثة
প্রকাশনার বছর
١٤١٣ هـ - ١٩٩٢
প্রকাশনার স্থান
المنصورة. مصر
জনগুলি
ـ[المستشرقون والتراث]ـ
المؤلف: الدكتور عبد العظيم الديب
الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. مصر
الطبعة: الثالثة، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٢
عدد الأجزاء: ١.
أَعَدَّهُ للشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
অজানা পৃষ্ঠা
المُسْتَشْرِقُونَ والتراث
1 / 3
الطبعة الثالثة
١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. مصر
1 / 4
المُسْتَشْرِقُونَ والتراث
الدكتور عبد العظيم الديب
أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. مصر
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
مدخل إلى القضية:
ربما كان المدخل الصحيح لتقييم عمل المُسْتَشْرِقِينَ ودورهم في مجال تراثنا هو الإجابة عن هذه الأسئلة:
- كم كان حجم تراثنا؟ بمعنى: كم كان يُقَدَّرُ عدد الكتب التي تصلنا، لو لم يقدر له أن يلقى ما لقي، من تحريق وتغريق، وسطو وابتزاز، وإهمال وتهاون؟
- ثم كم بقي لنا بعد ذلك كله؟
- ثم كم منه في أيدينا الآن؟
- وكم في أيدي المُسْتَشْرِقِينَ؟
- وماذا صنعنا بما في أيدينا؟
- وماذا صنع المُسْتَشْرِقُونَ بما في أيديهم؟
- وكمن حُقِّقَ ونشر منه؟
- وكم حقَّقنا؟
- وكم حَقَّق المُسْتَشْرِقُونَ؟
أعتقد أنَّ الإجابة الدقيقة المُحَدَّدة عن هذه الأسئلة هي التي تعطي الصورة الصادقة، والحكم الصائب على عمل المُسْتَشْرِقِينَ ما دمنا بصدد تقييمه ووضعه في مكانه، وإعطائه قدره.
ومع أنَّ هذه المسأة في جملتها تبدأ بـ (كم) أي تحتاج إلى إجابة رقمية محدَّدة، فإننا لا نملك إلاَّ إجابة تقريبية عن بعضها، وعن بعضها الآخر لا نملك إجابة أصلًا، وعن بعض ثالث يستحيل أنْ نملك إجابة، فمن يستطيع أنْ يُقَدِّرَ لنا حجم تراثنا كله. لو لم يصبه ما أصابه؟؟ إنَّ ذلك فوق كل حَدْسٍ وأبعد من كمل تخمين.
إنَّ ما ضاع من تراثنا لا يمكن بحال أنْ يخضع لتقدير، فمن يستطيع أنْ يُقَدِّرَ لنا عدد المجلدات التي صنعت الجسر، بل السُدَّ الذي عبرت عليه خيول
1 / 5
هولاكو وجنوده بين شاطئي دجلة، ومن الذي يتسطيع أنْ يُحْصِي ما حرَّقه الصليبيون في حملاتهم التي جاءت في موجات متتالية مثل موجات التتار، وأشد فتكًا، وظلت نحو مائتي سَنَةٍ تتشبث بمواطئ أقدامها، وبالإمارات التي اتخذتها رؤوس جسور لاجتياح بلاد الإسلام جملة، وكانت الكتب والمكتبات طوال هذه المعارك هدفًا مقصودًا حينًا، ووقودًا للنيران الطائشة حينًا آخر، وإنْ أصاب القدس، وطرابلس، وعسقلان، وغَزَّة، والمَعَرَّةَ، وغيرها من المدن وإهلاكًا وإحراقًا، كيف يبقى على مكتباتها؟ وبحسبنا أنْ نذكر أنَّ «بعض المؤرِّخين قدَّر ما أتلفه الصليبيون في (طرابلس) وحدها بثلاثة ملايين مجلد» (١).
ويحدِّثنا التاريخ «أنَّ أحد الأطباء رفض دعوة سلطان بخارى للإقامة في بلاطه، لأنه يحتاج إلى أربعمائة بعير لنقل مكتبته» (٢).
فإذا كانت الكتب في مدينة واحدة (طرابلس) نحو ثلاثمائة ملايين، والكتب التي في مكتبة خاصة لواحد من الأطباء تبلغ حِمْلَ أربعمائة بعير، فكم يبلغ ما كان في المدن الإسلامية كلها؟ وما كان في المكتبات الخاصة كلها؟
فإذا كان هو حجم التراث، وكان الباقي منه نحو ثلاثة ملايين مخطوطة فقط، فإذا عرفنا ما بقي بأيدينا، وما بقي بأييدي المُسْتَشْرِقِينَ، وما نشرناه، وما نشره المُسْتَشْرِقُونَ، وماذا نشروه من التراث؟ ولماذا نشروه؟ وكيف نشروه؟
إذا عرفنا ذلك، نستطيع أنْ نفصل في القضية، وأنْ نُقَدِّرَ للقوم عملهم حق قدره، لا نَنْقُصُهُمْ، ولا نبخسهم، ولا نزيدهم، ولا نُمَجِّدُهُم بدعوى (الاعتدال) و(الإنصاف) أو تغطية لشعور العجز والهوان.
وسنحاول في الصفحات القادمة أنْ نُقَدِّمَ نموذجًا لهذه الدراسة، عَلَّهَا تكون خطوة على الطريق، نحو الحكم (المنهجي) (العلمي) (الموضوعي) على عمل المُسْتَشْرِقِينَ، ودورهم في التراث.
_________
(١) الدكتور مصطفى السباعي. " من روائع حضارتنا ": ص ١٦٢.
(٢) جلال مظهر. " حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي: ص ٣٨٤.
1 / 6
اتجاهات النشر عند المُسْتَشْرِقِينَ:
للآن - فيما أعلم - ليس لدينا دراسة دقيقة، تقوم على حصر أعمال المُسْتَشْرِقِينَ، في مجال تحقيق التراث ونشره، ونحن - لا شك - أحوج ما نكون إلى هذه الدراسة، بل نراها تأخَّرت طويلًا، وإلى أنْ تَتِمَّ سيظل الحديث في هذا المجال (عمل المُسْتَشْرِقِينَ) يقوم على الحدس والتخمين، ويعتمد على ملاحظات سريعة، ويتأثَّرُ بأهواء مزاجية، وصلاتٍ شخصية، ومواقف نفسية، تجذبه من يمين ويسار.
وحينما نقوم بهذه الدراسة - إنْ شاء الله - نستطيع أنْ نرى في ضوئها ما يلي:
أولًا: عدد الكتب التي أخرجها المُسْتَشْرِقُونَ بجهودهم العلمية، وتحديد (الكَمِّ) الذي قاموا بخدمته من تراثنا، ويتبع ذلك، وينبني عليه بيان نسبة عملهم إلى مجموع ما تم نشرُهُ، فيتحدَّدُ بالضبط المقدار الذي اسهموا به في نشر تراثنا، فلا نغمطهم فضلهم - إنْ كان لهم فضلٌ - ولا ننسب إليهم ما لا يستحقُّون استجابة لعقدة الهوان، ومُرَكَّبَاتِ النقص التي سيطرت على كثيرين مِمَّنْ سَمَّوْا أنفسهم، وأسْمَتْهُمْ أجهزة التضليل (قادة الفكر).
ثانيًا: معرفة اتجاهاتهم النشر لدى المُسْتَشْرِقِينَ، بمعنى أنْ نعرف الكتب التي تحظى باهتمامهم وتجذب انتباههم، من أي لون هي، ومن أي فرع من فروع المعرفة، وما قيمتها في هذا الفن، ثم ما علاقتها بما ينشرونه من فنون أخرى.
ثالثًا: درجة الدِقَّةِ والاتقان في هذه الأعمال، بل درجة الصحة
1 / 7
والصواب، وماذا فيها من خلل أو زلل نتيجة العجز عن إدراك سِرَّ العربية، وامتلاك ذوقها (٣)، والعجز عن استكناه سِرَّ التراث، واستلهام روحه الرباني الإلهي.
بل ماذا فيها من خلل أو زلل، نتيجة للأحكام المُسَبَّقَةِ، والمواقف غير المحايدة، بل العدائية التي تدعو إلى تعمَّد التشويه والتحريف (٤).
وعند ذلك تفرَّغ الأمَّة من هذه القضية ويصدر الحكم فيها بالأدلة الدامغة، والحقائق الثابتة، فننتهي منها، ومن اللجاجة حولها، ونفرغ لما سواها.
نموذج:
وقد حاولت إجراء نموذج مُصَغَّرٍِ لهذه الدراسة، لا يشمل عمل المُسْتَشْرِقِينَ كُلَّهُ - كما نرجو - وإنما شمل شريحة، أو قدرًا لا بأس به من أعمالهم، ويتمثَّلُ هذا القدر في مجموعتين، من مجموعات المخطوطات المطبوعة:
الأولى: " معجم المخطوطات المطبوعة " (المجلدات الثلاثة الأولى) وهو من عمل الدكتور صلاح الدين المنجد (٥).
_________
(٣) كتب شيخ المُسْتَشْرِقِينَ الروسي، وأقدرهم بإطلاق (كراتشوفسكي) في يناير سنة ١٩٠٩ م وهو في بيروت إلى شقيقته، يقول لها: «إنَّ اللغة العربية تزداد صعوبة، كلما ازداد المرءُ دراسة لها» (راجع المقدمة التي كتبتها زوجته لكتابه " مع المخطوطات العربية " - ترجمة الدكتور محمد منير مرسي). وما باللغة العربية من صعوبة! وكيف تزداد صعوبة مع الأيام كلما ازداد دراسة لها؟ إنَّ الصعوبة في إدراك سِرَّ اللغة العربية وامتلاك ذوقها، هذا هو الذي يعزُّ على المستشرق وأمثاله الذين لم ينشؤوا نشأة عربية، ولم يأخذوا اللغة العربية مأخذ الذين يتعرَّبُون من المسلمين، فيُشربون حُبَّهَا وذوقها في قلوبهم.
(٤) نعني بذلك ما قد يكون من قُصُورٍ في قراءة النصوص التراثية التي نشروها، أو في تعليقاتهم عليها أو في المُقَدِّمات والدراسات التي يلحقوناه بها.
(٥) طبع دار الكتاب الجديد. بيروت (طبعة ثانية) الجزء الأول ١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م، الجزء الثاني ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م، والجزء الثالث ١٩٨٣ م. وعلمتُ أنَّ جزءًا رابعًا لكن لم نستطع الوصول إليها للآن.
1 / 8
الثانية: " ذخائر التراث العربي " (الجزء الأول) وهو من عمل الدكتور عبد الجبار عبد الرحمن (٦).
وكان ذلك على النحو التالي:
أولًا: بالنسبة لمعجم المخطوطات المطبوعة اتَّبعْتُ الخطوات الآتية:
١ - أحصيت كل المخطوطات المنثورة، فكانت النتيجة كالآتي:
في الجزء الأول: ٤١٤ أربعة عشر وأربعمائة (عنوان) ما بين كتاب، وجزء من كتاب، ورسالة صغيرة. (وذلك في الفترة من ١٩٥٤ - ١٩٦٠ م. خمس سنوات).
في الجزء الثاني: ٣٥٢ اثنان وخمسون وثلاثمائة (عنوان) ما بين كتاب، وجزء من كتاب، ورسالة صغيرة. (وذلك في الفترة من ١٩٦١ - ١٩٦٥ م. خمس سنوات).
في الجزء الثالث: ٤٣٠ ثلاثون وأربعمائة (عنوان) ما بين كتاب، وجزء من كتاب، ورسالة صغيرة. (وذلك في الفترة من ١٩٦٦ - ١٩٧٠ م. خمس سنوات).
٢ - أحصيتُ ما قام بنشره المُسْتَشْرِقُونَ في كل جزء، فكانت النتيجة كالآتي:
- في الجزء الأول ٥٨ (عنوانًا) (صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات).
- في الجزء الثاني ١٧ (عنوانًا) (صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات).
_________
(٦) مرتَّبٌ على حروف الهجاء بأسماء المؤلفين: يشمل الجزء الأول من حرف (أ - ش) في نحو (٦٦٠) صفحة - نشر جامعة البصرة - سنة ١٩٨١ م.
1 / 9
- في الجزء الثالث ١٨ (عنوانًا) (صرفنا النظر عن بعض الأعمال التي لا تعدو بضع صفحات).
٣ - وعلى ذلك تكون النسبة المأوية لما نشره المُسْتَشْرِقُونَ إلى ما نشرناه كالآتي:
في الجزء الأول ١٤ %.
في الجزء الثاني ٤ %.
في الجزء الثالث ٤ %.
ويكون متوسط النسبة بين الأجزاء كلها هو ٧ %.
وبالنظر إلى هذه النتائج نلاحظ أنَّ الفرق شاسع بين الجزء الأول والجزأين الثاني والثالث، حيث ترتفع النسبة إلى أكثر من ثلاثة أمثال، والأمر في حاجة إلى تفسير أو تعليل، ولعلَّنا لا نعدو الصواب إذا أرجعناه لما يلي:
١ - نحن نعتقد أنَّ (للزمن) دخلًا في ذلك، حيث اختصَّ الجزء الأول بفترة السنوات السبع من أول سنة ١٩٥٤ م - إلى آخر سنة ١٩٦٠ م، وهي ما بعد سنوات الحرب والتعمير، ذلك أنَّ فترة الحرب العالمية الثانية، التي انتهت سنة ١٩٤٥ م، وما تلاها من مرحلة بناء، [وكانت أشد وأقسى من سنوات الحرب ذاتها]- كانت فترة خمود وركود، أعني أنَّ عمل المُسْتَشْرِقِينَ توقف أو كاد في أثناء الحرب وما تلاها من مرحلة بناء، فلما استقرَّت الأمور، وبدأ رجال الاستشراق يعودون لمؤسساتهم، ومواقعهم، كان لديهم عندما عادوا رصيدًا من الأعمال توقف نشره، فأضافوه إلى ما جدَّ من عمل ووُلِدَ من نتاج، فكان ذلك هو السبب في تضاعف نسبة أعمالهم في هذه الفترة التي أعقبت فترة الحرب والتعمير.
ولعلَّ ما يؤيِّدُنا في ذلك ما ذكره نجيب العقيقي (وهو واحد منهم) (٧)
_________
(٧) انظر كتابه " الاستشراق والمستشرقون " حيث يتحدَّثُ عن المدرسة المارُونية ضمن مدارس الاستشراق، ويجعل نفسه واحدًا من رجال المدرسة المارُونية.
1 / 10
حيث قال: «وأصيب نشاط لجنة " دائرة المعارف الإسلامية " بعد الحرب بشيء من الاضطراب، وقُضي على بعض أعضائها في ساحتها، ثم استأنفت من بعدُ نشاطها» (٨).
ويلفت نظرنا في عبارته، قوله «بعد الحرب» مِمَّا يؤكِّدُ ما قلناه من أنَّ فترة ما بعد الحرب كانت فترة شدَّة وجُهدٍ، لا تقلُّ عن فترة الحرب ذاتها.
كما يلفت النظر أيضًا قوله: «وقُضي على بعض أعضائها في ساحتها» فهذا يؤكِّدُ ما سنقوله من علاقة المُسْتَشْرِقِينَ بوزارات المستعمرات، وأنهم كانوا طلائع الغزو الاستعماري، وأنهم كانوا في قلب معارك بلادهم وحروبها.
٢ - ونستطيع أنْ نضيف عاملًا آخر، وتفسيرًا آخر لنقص إنتاجهم، وهو أنَّ سنة ١٩٦٠ م هي السَنَةُ التي أعلنتها الأمم المتحدة سَنَةَ إنهاء الاستعمار (٩)، وبعدها اختفت النظم السياسية (وزارات المستعمرات) وكما هو مُقَرَّرٌ ومعروف للجميع، كانت هذه الوزارات هي الملجأ الأول الذي يعيش في كنفه الاستشراق، ويرعى حركته.
فلما زالت هذه الوزارات، أو ضعف شأنها، فقدت حركة الاستشراق أكبر مُعِينٍ لها، وتحوَّل من كان في كَنَفِهَا من المُسْتَشْرِقِينَ، إلى ما بقي من أوكار التبشير والاستخبارات، والمراكز الاستشارية ونحوها.
فكانت هذه الهزَّة سببًا - فيما نُقَدِّرُ - لهذا الانخفاض الواضح في إسهامات المُسْتَشْرِقِينَ.
٣ - كم كُنَّا نتمنَّى أنْ نقول: إنَّ انخفاض نسبة أعمال المُسْتَشْرِقِينَ هذا
_________
(٨) " الاستشراق والمستشرقون ": ص ١١٠٨.
(٩) انظر حقائق أساسية عن الأمم المتحدة ص ١٧٣ أصدرته إدارة الإعلام العام بالأمم المتحدة - طبع بمطابع الشعب بالقاهرة سنة ١٩٨٠.
1 / 11
جاء نتيجة لزيادة أعمالنا، وثمرة لكثرة إنتاجنا نحن في هذا المجال، بمعنى أنَّ (حجم) عمل المُسْتَشْرِقِينَ بقي كما هو، لكن سبب ازدياد نشاطنا وجهودنا بدأ عملهم ضئيلًا وجهدهم قليلًا. نعم، كنا نتمنَّى أنْ نقول ذلك، ولكن هذا لا يستقيم، ولا يكون صحيحًا، بسبب ما هو واضح من مُجرَّد النظر إلى العدد الكلي في الفترات الزمنية الثلاث التي كانت موضع الدراسة، فالتفاوت بينها يسير.
ويمكن التعبير عن ذلك بالأرقام بصورة أكثر وضوحًا هكذا:
٦٠ كتابًا (متوسط العدد الكلي في السَنَةِ الواحدة من الفترة الأولى: ١٩٥٤ - ١٩٦٠ م).
٧٠ كتابًا (متوسط العدد الكلي في السَنَةِ الواحدة من الفترة الثانية: ١٩٦١ - ١٩٦٥ م).
٨٠ كتابًا (متوسط العدد الكلي في السَنَةِ الواحدة من الفترة الثالثة: ١٩٦٦ - ١٩٧٠ م).
ونسبة ما يخص المُسْتَشْرِقِينَ في كل سَنَةٍ من السنوات كالآتي:
٨،٢ كتابًا في السَنَةِ الواحدة من الفترة الأولى.
٣،٤ كتابًا في السَنَةِ الواحدة من الفترة الثانية.
٣،٦ كتابًا في السَنَةِ الواحدة من الفترة الثالثة.
وبذلك يتأكَّدُ تمامًا انخفاض إنتاج المُسْتَشْرِقِينَ منذ سنة ١٩٦٠ م، كما يتَّضح أنَّ هناك زيادة في مُعدَّل إسهامنا، وإنجازنا - نحن المسلمين - في هذا المجال، إلاَّ أنها - كما أشرنا آنفًا - زيادة طفيفة، لا تتناسب مُطلقًا مع ازدياد عدد الجامعات والخرِّيجين، وعدد المؤسسات العلميَّة، ومراكز البحوث، والهيئات العاملة في مجال خدمة التراث، ولا مع مُعدَّل الثراء والرخاء، الذي حظي به العالم العربي، ولا مع هذه الصحوة الإسلامية الفكرية الرشيدة، التي يموج بها العالم الإسلامي اليوم.
1 / 12
ثانيًا: بالنسبة لكتاب " ذخائر التراث " للدكتور عبد الجبار عبد الرحمن، فهو قد حَدَّدَ مجال عمله بقوله:
«يحاول هذا الكتاب - جهد المستطاع - حصر وتسجيل ما طبع من المخطوطات التي صنَّفها المؤلفون العرب والمسلمون في شتَّى فنون العلم والمعرفة منذ بدء التدوين إلى نهاية القرن الثاني عشر الهجري (١٠)، سواء ما أخرجته المطابع الشرقية، أو الغربية، وما حقَّقه ونشره المُسْتَشْرِقُونَ أو الشرقيون، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين» (١١) أي أنه معجم للمخطوطات المطبوعة منذ بدأت الطباعة، على أنْ تكون هذه المخطوطات من عمل ونتاج القرون العشرة الأولى من الهجرة، كما جعل سنة ١٩٨٠ م حدًا ينتهي إلى الكتب التي طبعت عنده.
ولما يصل إلى يدنا للآن إلاَّ الجزء الأول، وقد أجرينا الإحصاء بطريق العيِّنة العشوائية، فاخترنا عددًا متساويًا من الصفحات من كل مائة بدون ترتيب، فحصلنا على ست وخمسين صفحة، بواقع ثماني صفحات من كل مائة، من المئات السبع.
ثم أجرينا باقي العمليَّات الإحصائية بالطريقة السابقة نفسها:
١ - حصرت عدد المؤلفات المنشورة في هذه الصفحات، فكانت (٣٢٠) عشرين وثلاثمائة كتاب.
٢ - أحصينا ما قام المُسْتَشْرِقُونَ بنشره فكانت النتيجة ٣٢ كتابًا اثنين وثلاثين كتابًا.
٣ - وعلى ذلك تكون النسبة المئوية ١٠ % عشرة في المائة.
ويلاحظ أنَّ هناك تفاوتًا بين هذه النتيجة والنتائج السابقة، بمعنى أنها في الواقع تسجل زيادة وارتفاعًا في السَنَةِ، حيث كان متوسط الأجزاء الثلاثة في " معجم " صلاح الدين المنجد ٧ %.
_________
(١٠) أضاف المؤلف هامشًا هنا أنه «ركَّز على مؤلفات القرون العشرة الأولى، ولا يتعرَّضُ بعدها إلاَّ للمؤلفات البارزة» كذا قال.
(١١) انظر ص: ١٠.
1 / 13
ونستطيع في النهاية أن نخرج بالنتائج الآتية:
١ - أنَّ معدل إسهام المُسْتَشْرِقِينَ وإنتاجهم سَجَّلَ هبوطًا ملحوظًا منذ مطلع الستينيات، ولا يزال مستمرًا.
٢ - أنه كانت هناك طفرة في السنوات التي تلت انتعاش الغرب بعد الحرب العالمية الثانية.
٣ - أن نسبة الـ ١٠ % تعبر مؤشرًا صادقًا إلى حد ما، لمتوسط إنتاج المُسْتَشْرِقِينَ. بالنسبة لمجموع ما نشر من مخطوطات منذ الطباعة للآن.
تَحَفُّظٌ:
ولنا أن نتحفظ على هذه النتيجة (مؤقتًا) إلى أن يتم الحصر الشامل الكامل لجميع المخطوطات المطبوعة، وما قام به المُسْتَشْرِقُونَ منها.
بل سيظل هناك شيء من التحفظ [ولو تم الحصر الشامل]، ذلك أنَّ النسبة التي ستفلت من الحصر (وهذا شيء متوقع، بل مقطوع به) سيكون أكثرها من عملنا، وبالذات من نشر الأفراد، (العمل الشخصي) ذلك أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ يُحْسِنُونَ تسجيل أعمالهم وجدولتها، والنشر عنها، والإعلام بها، ونحن نحسن استقبالها والتنويه بها، أما جهود الأفراد بل الهيئات الإسلامية، فيقيني أَنَّ قدرًا لا باس به من عملها سيظل خارج الإحصاء والحصر، وعندها يبدو عمل هؤلاء أكبر من حجمه، ٠وأكثر من واقعه.
1 / 14
الاتجاه الفكري للمستشرقين:
في ضوء هذه الدراسة السابقة رأينا إسهام المُسْتَشْرِقِينَ من حيث (الكم والحجم) ونسبته إلى عملنا، أما من حيث اتجاههم الفكرية، التي يمثِّلها ويكشف عنها اختياراتهم، فقد أجرينا دراسة إحصائية على المجموعات السابقة من الكتب نفسها، وكانت النتيجة كما يلي:
أولًا: بالنسبة لما هو منشور في معجم الدكتور المنجد:
[الفن]-------------------------------- عدد الكتب -------------------النسبة المأوية
- التصوف والفلسفة وعلم الكلام .............. ٤٠ ........................... ٤٣ %
- التراجم والتاريخ .............................. ٢٨ .......................... ٣٠ %
- تفسير ......................................... ٢ ............................ ٢،١ %
- لغو ونحو ..................................... ٣ ............................ ٣،٢ %
- أدب ........................................... ٣ ............................ ٣،٢ %
- بلاغة ......................................... ٣ ............................ ٣،٢ %
- رحلات وجغرافيا ............................. ٤ ............................ ٤،٣ %
- شعر وطرائف ................................ ٣ ............................ ٣،٢ %
- فقه ........................................... ٤ ............................ ٤،٣ %
- علوم ......................................... ٣ ............................ ٣،٢ %
.................................................. ٩٣ .......................... ٩٩،٧ %
ولا تختلف الاتجاهات كثيرًا بالنسبة لما هو منشور ي (ذخائر التراث)، حيث تتوزع الكتب على النحو التالي:
[الفن]-------------------------------- عدد الكتب ----------------النسبة المأوية
- التصوف والأخلاق ........................ ٤ .............................. ١٢،٥ %
- الديانات (مقارنة ونقد) ................. ٢ .................................. ٦ %
- عقيدة وكلام .............................. ٢ ................................... ٦ %
- تاريخ ..................................... ٧ ................................. ٢١ %
1 / 15
- تراجم ..................................... ٣ ...................................... ٩ %
- سيرة ..................................... ١ ...................................... ٣ %
- تفسير .................................... ١ ...................................... ٣ %
- حديث .................................... ١ ...................................... ٣ %
- أدب ..................................... ٢ ...................................... ٦ %
- شعر ..................................... ٣ ...................................... ٩ %
- لغة ونحو ............................... ٣ ...................................... ٩ %
--------------------------------------- ٢٣ كتابًا ----------------------- ٩٨،٠ %
هناك كسور طفيفة تكمل بمجموعها المائة ١٠٠ %
ويجب أنْ ننبِّه هنا إلى ما يلي:
[أ] أنه قد يخالفنا مخالف في هذا التوزيع، ومرجع ذلك أنَّ هذه المؤلفات القديمة، قد يتنازعها أكثر من فنِّ من فنون المعرفة، وتصلح للانتساب لكل منها، بما حوته من موضوعات، ومن حيث الزاوية التي ينظر منها الناظر إليها، ومن حيث الاعتبار الذي يعتبرها به، فالكتاب في حياة أحد أئمة التصوف (مثلًا) قد يصنَّف في التراجم وقد يصنَّف في التصوُّف، بالنظر إلى ما حواه من مذهب الرجل وفكره.
وما برح مفهرسو الكتب يختلفون (أحيانًا) في الفن الذي يضعون تحته هذا الكتاب في فن من الفنون ويشار إليه ويحال عليه في الفن الآخر الذي يمكن أن يحتويه أيضًا.
[ب] أنَّ هذا التوزيع - على قوة دلالته، ليس كافيًا لتوضيح اتجاهات النشر عند القوم، فلا بُدَّ أنْ نرى أيَّ كتب في الفقه ينشرون، وأيَّ كتب في التاريخ، وأيَّ كتب في الفلسفة، وهكذا، فليس كل فقه ولا كل تراجم، ولا كل تاريخ، يكون كافيًا باسمه وعنوانه، و(صنفه).
ولعلَّ هذه النتائج ليست في حاجة إلى نظر أو تأمُّل، فهي تنطق
1 / 16
باتجاهات القوم في النشر بوضوح، وتكشف عن أهدافهم بجلاء، فالتصوُّف والفلسفة وعلم الكلام (وهو الاتجاه الأول عندهم) ليعرفوا السلوك، والفكر، والعقيدة، ويا ويل من عرف عدوّه، سلوكه ونفسه، وحقائق فكره، ومناحي آرائه، ومكامن عقيدته، وخفايا قلبه.
فهذا الولوع العجيب الغريب بدراسة هذه العلوم، ونشر مؤلفاتها، لا تفسير له إلاَّ في ضوء أهدافهم، فهم يتعرَّفُون على هذا اللون من الفكر، ويتَّبعون شطحاته وانحرافاته، وكي تقعد بالناس عن الجهاد، بل عن العمل، أيَّ عمل، ويرون كيف يقوم لهم هذا - إذا رَوَّجُوهُ بمُهِمَّة الجيوش، إذ يشُلُّ حركة الأمة، ويُقعدها عن المقاومة ن بل يُزَيِّنُ لها الاستسلام.
ومن أراد دليلًا على ذلك، فلينظر في تاريخ الجزائر، ليرى كيف قاوم (الطُّرُقِيُّونَ) المتصوِّفُون حركة ابن باديس (الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية) وهي حركة دينية إسلامية واعية، داعية لحفظ الذات، وصيانة الهُوية، ثم إلى مقاومة الجادَّة الثابتة، والوقوف في وجه (فَرْنَسَةَ) الجزائر، ومسخها، وكيف كان لدراسات المُسْتَشْرِقِينَ، ومطبوعاتهم أثر في هذا التوجيه الاستعماري الخبيث (للطرقيِّين) واستخدامهم ضد المجاهدين والوطنيِّين، وقد أكد هذا المعنى أستاذنا الدكتور محمود قاسم (١٢) حين قال: «... إنَّ الاستعمار الفرنسي للجزائر استطاع بجبروته وعَسَفه أنْ يفرض لغته على كثير من المُثقفين في الجزائر وشمال إفريقية، غير أنه لم يستطع أنْ ينال كثيرًا من العقيدة الإسلامية، رغم ما بذله المُختَصُّون في شؤون الثقافة من محاولات لفصم العقلية الجزائرية، عن طريق تمجيد التصوُّف الكاذب، وإشاعة الخرافات والأباطيل، على نحو ما نراه
_________
(١) العميد الأسبق لكلية دار العلوم. جامعة القاهرة، ولكلامه في هذه القضية وزنه وقيمته، فهو من القلائل الذين حصلوا على دكتوراه الدولة في الفلسفة من السوربون، وكان ﵀ من ألمع الدارسين للفكر العالمي، ثم هو أيضًا عايش هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ وخَبِرَهُمْ عن قُرْبٍ.
1 / 17
في مؤلَّفات لويس (ماسينيون) الذي خَصَّصَ حياته للكتابة في الحَلاَّج (١٣)، فجعله صورة من المسيح في الإسلام، وأعتقد أنَّ ماسينيون، ما كان يُعْنَى بالحلاَّج قد عنايته بتنفيذ مُخَطَّطٍ استعماري أحكم صُنْعَهُ؛ فقد ملأ كتابه الضخم عن الحلاَّج بحشد هائل من الخرافات والتُرَّهات والأباطيل، حتى يعمِّق الهُوَّةَ بين طائفتين توجدان بالجزائر: طائفة تتمسَّكُ بالقديم، فتنساق، حسب ظنِّهِ، إلى اعتقاد أنَّ هذه الخرافات والهذيانات هي صميم الإسلام، وطائفة مُثَقَّفَةٌ بالثقافة الحديثة تتَّجهُ من جانبها إلى السُخْرية والزراية بهذا الإسلام الخُرافي، بل من الإسلام كله» (١٤).
بل غير خافٍ أنَّ (لويس ماسينيون) هذا «كان مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون الشمال الإفريقي، والراعي الروحي للجمعيات التبشرية الفرنسية في مصر، وخدم الجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى» (١٥).
ومن أراد دليلًا آخر، فلينظر في تاريخ السودان، وكيف حاولوا أنْ يُمَزِّقُوهُ طوائف وفرقًا (وطُرُقًا) وكان أنْ تقدَّم أحدهم، وأعلن إسلامه وتسمَّى باسم الشيخ أمين، ولبس ملابس شيوخ الطُرُق، وعاث في عقول الناس فسادًا وإفسادًا، ثم هالهم أنْ طلع عليهم ذات صباح في صحبة (غوردون) قائد جيش الاحتلال الذي استدعته إنجلترا ليخمد ثورة السودان سنة ١٨٨٥ م (١٦).
ولعل في تلك الواقعة التي أوردها الدكتور محمد محمد حسين في كتابه
_________
(١٣) مِمَّا يذكر بأسَى أنَّ عالمًا جليلًا نَعُدُّهُ مستنيرًا، أسرف على نفسه وعلى قُرَّائِهِ ذات حديث إلى مجلة إسلامية كبرى فمجَّد المُسْتَشْرِقِينَ، وما أدُّوهُ للتراث، ولما أراد أنْ يستدلَّ على قوله لم يجد إلاَّ عمل ماسينيون في تراث الحَلاَّج ودراسته، وهذا مِمَّا وقعنا فيه من تغرير وخداع.
(١٤) الدكتور محمود قاسم: " الإمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية ": ص ٧، وانظر الفصل الثاني من ٣٥ - ٧٠.
(١٥) الدكتور محمد البهي: " الفكر الإسلامي الحديث وصِلَتُهُ بالاستعمار الغربي ": ص ٥٥٦.
(١٦) انظر بحثنا لكاتب هذه السطور بعنوان (جنوب السودان - دراسة تاريخية) " صحيفة التربية ".
1 / 18
" حصوننا مهدَّدةٌ من داخلها " (١٧)، وهي أنَّ مندوب مؤسسة روكفلر (١٨) الأمريكية كان يزور الجامعة السورية بدمشق، وقد تلكَّأ هذا المندوب ولاذ بمختلف المعاذير، حين أعربت له الجامعة عن حاجتها إلى بعض المخابر والأجهزة العلمية، ولكنه لم يلبث أن ظهر البشاشة، ولم يتردَّدْ في قطع الوعود بالمساعدة حين انتقل الحديث إلى إنشاء معهد لدراسة التصوف الإسلامي».
ففي تلك الأمثلة ما يشهد بأي اتجاه يريدونه لنا، فحين تعلق الأمر بالمخابر والأجهزة العلمية التي تنقلنا إلى العل وتنتج لنا منجزات العصر، كان التلكؤ والاعتذار، وحين كان الأمر متعلقًا بالتصوف كانت الاستعدادات جاهزة، والمنح مبذولة، والإمكانات متاحة، حيث ينقلنا ذلك الفكر إلى المتاهات، والخلافات، ونظل نمضغ أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع.
وقد عَبَّرَ عن ذلك أصد تعبير في أوجز لفظ أستاذنا الدكتور محمود قاسم: «لقد نقلنا المُسْتَشْرِقُونَ إلى أرسطو على حين نقلوا أنفسهم وقومهم إلى مناهج المسلمين وعلومهم» (١٩).
ألف ليلة:
وإذا لم يكف كلُّ ما قدمناه من أدلة على اتجاه النشر عندهم، وأنهم يوجهونه إلى معرفتنا ثم إلى تمزيقنا وتدميرنا.
إذا لم يكف كلُّ ما قدمناه من أدلة على اتجاه النشر عندهم، وأنهم يوجِّهُونه إلى معرفتنا ثم إلى تمزيقنا وتدميرنا.
إذا لم يكف ذلك، فهل أتاك نبأ «ألف ليلة وليلة»؟؟ تلك القصص الخرافية التي رَوَّجُوهَا فينا، حتى فشت منها فاشية في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن يتتبَّع طبعاتها المتوالية، ويتتبَّع الدراسات والبحوث التي أجريت بشأنها، يُدرك أنهم جعلوها لنا زادًا واتَّخذوها - هم - مصدر الدراسات للمجتمع الإسلامي في عصوره الناهضة الواعدة، فجعلوا ما في هذه الأقاصيص من خرافات هي الصورة الحقيقية للمجتمعات الإسلامية.
_________
(١٧) انظر: ص ١٤٤.
(١٨) معلوم أنها مؤسسة تزعم أنها تقدم مساعدات ومعونات لتنمية الدول المُتَخَلِّفَةِ.
(١٩) أنور الجندي: " المؤامرة على الإسلام ": ص ٢٠٩.
1 / 19