أمري ما استدبرتُ، لم أتقيّد بالذَّهبي، ولجعلته كتابًا مبتكرًا، بل رأيتُه في موضع أثنى على "شرح البخاري" و"التغليق" و"النُّخبة"، ثم قال: وأمَّا سائر المجموعات، فهي كثيرةُ العَدد، واهيةُ العُدَد، ضعيفةُ القُوى، ظامئة الرُّوى، ولكنها كما قال بعضُ الحفَّاظ مِنْ أهل المئة الخامسة (^١):
وفي هذا منتهى العَجَب مِن تواضعه وزهْده وورعه؛ فبسببِ ذلك كله تراه يُصرّح برضاه عن خمسةٍ مِن مؤلفاته المئة والخمسين!
وهنا أقول: قد رأيتُ نَقْل الإمام ابن حجر ذاك الثناء على الخطيب البغدادي ومؤلفاته، رحمهما الله، فقلتُ: وما أَوْلى الإمامَ ابن حجرٍ، عليه رحمة الله، بهذا الوصْف! وإنْ لم يَذْكر نفسَهُ؛ فهو قَلَّ فنٌّ مِن فنون علوم الحديث إلا أَلّفَ فيه مؤلَفًا، أو مؤلفاتٍ، في غايةِ الدقةِ والتحقيقِ، ولئن قيل بأنّ الإمام الخطيب، ﵀، مات عن نَيّفٍ وخمسين كتابًا، فإنّ ابن حجر قد مات عن أكثرَ مِن خمسين ومئةِ كتابٍ، عددٌ قليلٌ منها بمجلداته الكبيرة يُساوي -مِن حيث الكمّ- ما يُقارِب حجمَ مؤلفاتِ الخطيب كلها، أو يزيد عليها، باستثناء كتاب الخطيب "تاريخ بغداد".
وقد أَصبح الناس عِيالًا على كُتب ابن حجر؛ بحيث لا يُمْكن لأحدٍ أن يتخصص في هذا الفن ويَستغني عن مؤلفاته! وفي كلٍّ منهما خيرٌ وفضْل، أَحسَنَ الله إليهما.
_________
(^١) هو الحافظ أبو بكرٍ البرقاني، -٤٢٥ هـ، ﵀.
1 / 17